للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يستبقون الصراط، ويتزاحمون على العبور، ويتخبطون تخبطَ العميان حين يتسابقون ويتساقطون تساقطَ العميان حين يسارعون متنافسين، فأنى يبصرون!

وهم في المشهد الثاني قد جمدوا فجأةً في مكانتهم، واستحالوا تماثيلَ لا تمضي ولا تعود بعد أن كانوا منذ لحظة عميانًا يستبقون ويضربون، وإنهم ليبدون في المشهدين كالدمية وكاللعبة في حالة تثير السخرية والتحقيرَ، وقد كانوا من قبل يستخفون بالوعيد ويستهزئون.

كتاب اليمين وكتاب الشمال:

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاَقِيه * فأما مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِه * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وأما مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِه * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُور * بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا} (الانشقاق: ٦ - ١٥).

في هذا الجو الخاشع الطائع يجيء النداء العلوي للإنسان، وأمامه الكون بسمائه وأرضه، مستسلمًا لربه هذا الاستسلام: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاَقِيه} يا أيها الإنسان الذي خلقه ربه بإحسان، والذي ميزه بهذه الإنسانية التي تفرده في هذا الكون بخصائص من شأنها أن تجعله أن يكون أعرفَ بربه، وأطوعَ لأمره من الأرض والسماء، وقد نفخ فيه من روحه وأودعه القدرة على الاتصال به، وتلقى قبسًا من نوره، والفرح باستقبال فيوضاته، والتطهر بها، أو الارتفاع على غير حد؛ حتى يبلغ الكمال المقدر لجنسه، وآفاق هذا الكمال عالية بعيدة.

{يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاَقِيه} أيها الإنسان إنك تقطع رحلة حياتك على الأرض كادحًا، تحمل عبئك وتجهد جهدك، وتشق طريقك لتصل

<<  <   >  >>