ومعناه: إن التقصير سيئة والإسراف سيئة والحسنة ما توسط بين الإسراف والتقصير، وخير الأمور أوسطها. فلا يكلف الإنسان نفسه من الطاعات إلا ما يطيق المداومة عليه، ولا يؤدي إلى الملالة والسآمة، ومن تكلف من العبادة مالا يطيق فقد تسبب إلى تبغيض عبادة الله إليه ومن قصر عما يطيق فقد ضيع حظه مما ندبه الله إليه وحثه عليه. . وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التنطع في الدين وقال:«هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ» إلى أن قال: (وعلى الجملة فالأولى بالمرء أن لا يأتي من أقواله وأعماله إلا بما فيه جلب مصلحة أو درء مفسدة مع الاقتصاد المتوسط بين الغلو والتقصير)(١) .
فالإسلام يصطفي المنهج الوسط في معالجة شؤون الحياة كلها، لذلك فهو وسط بين انحرافين، وخيار بين اتجاهين، بريء من وصمة الغلو الذي ما خالط شيئا إلا شانه، وما دخل أمرا إلا أفسده.
وصفت مشاربه من كدر التفريط ووباء التقصير الذي هو مستنقع آسن وهذا ما أشارت إليه سورة الفاتحة في قوله سبحانه:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ - صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}[الفاتحة: ٦ - ٧] فأمرنا بالابتهال إليه، واستمناح النهج السوي منه سبحانه والهداية إليه.
وهذا الصراط المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، هو الوسط
(١) القواعد الكبرى ٢ / ٣٤٠ وما بعد بتحقيق د. نزيه حماد ود. عثمان ضميرية.