فقلت له: أنت أعلم، فقال: يا هذا قد غلبت خفة روحك على قلبي، وقد أخرت ما كان يجب تقديمه؛ ما الكنية أعزك الله! قلت: أبو العباس، قال: فما الاسم؟ قلت: محمد، قال: فالأب؟ قلت: يزيد، قال: قبحك الله! أحوجتني إلى الاعتذار مما قدمت ذكره، ثم وثب باسطاً يده يصافحني، فرأيت القيد في رجله إلى خشبة، فأمنت غائلته، فقال: يا أبا العباس، صن نفسك عن الدخول إلى هذه المواضع، فليس يتهيأ من كل وقت أن نصادف مثلي على مثل هذه الحال؛ أنت المبرد، أنت المبرد! وجعل يصفق، وقد انقلبت عينه، وتغيرت حليته، فبادرت مسرعاً خوفاً أن تبدر لي منه بادرة، وقبلت والله منه، فلم أعاود الدخول إلى مخيس بعدها.
ويروى أن أبا العباس ثعلب تخلف أبا العباس المبرد بكلام قبيح، فبلغ ذلك المبرد، فأنشد:
رب من يعنيه حالي ... وهو لا يجزي ببالي
قلبه ملآن مني ... وفؤادي منه خالِ
فلما بلغ ثعلباً ذلك لم يسمع منه بعد ذلك في حقه كلمة قبيحة.
وحكى أبو بكر بن السراج عن محمد بن خلف، قال: كان بين أبي العباس المبرد وأبي العباس ثعلب من المنافرة ما لا خفاء به؛ ولكن أهل التحصيل يفضلون المبرد على ثعلب، وفي ذلك يقول أحمد بن عبد السلام: