وأما أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء؛ فإنه كان مولى لبني أسد، من أهل الكوفة، وأخذ عن أبي الحسن علي بن حمزة الكسائي، وأخذ عنه سلمة بن عاصم، ومحمد بن عاصم السمري وغيرهما.
وكان إماماً ثقة.
ويحكى عن أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب، أنه قال: لولا الفراء لما كانت اللغة؛ لأنه خلصها وضبطها، ولولا الفراء لسقطت العربية؛ لأنها كانت تنازع ويدعيها كل من أراد، ويتكلم الناس على مقادير عقولهم وقرائحهم فتذهب.
وقال أبو بريد الوضاحي: أمر أمير المؤمنين المأمون الفراء أن يؤلف ما يجمع به أصول النحو، وما سمع من العرب، فأمر أن تفرد له حجرة من حجر الدور؛ ووكل به جواري وخدماً للقيام بما يحتاج إليه؛ حتى لا يتعلق قلبه، ولا تتشوق نفسه إلى شيء؛ حتى إنهم كانوا يؤذنونه بأوقات الصلوات. وصير له الوراقين، وألزمه الأمناء والمنفقين؛ فكان الوراقون يكتبون؛ حتى صنف "الحدود" وأمر المأمون بكتبه في الخزائن؛ فبعد أن فرغ من ذلك خرج إلى الناس، وابتدأ يملي كتاب "المعاني". وكان وراقيه سلمة وأبو نصر، قال: فأردنا أن نعد الناس الذين اجتمعوا لإملاء كتاب "المعاني" فلم نضبط؛ فلما فرغ من إملائه خزنه الوراقون عن الناس ليكتسبوا به، وقالوا: