لابن دريد، وقد حكى عن بعض النحويين، أنه قال: أصل "ليس""لا أيس"، فقلت: هذا الكلام كأنه من كلام الصوفية، فكأن الشيخ أنكر علي ذلك، ولم يقل في تلك الحال شيئاً فلما كان بعد ذلك بأيام، وقد حضرنا على العادة، قال: أين ذلك الذي أنكر أن يكون أصل "ليس""لا أيس"؟ أليس "لا" تكون بمعنى "ليس"؟ فقلت للشيخ: ولم إذا كان "لا" بمعنى "ليس" تكون أصل "ليس""لا أيس"! فلم يذكر شيئاً.
وكان الشيخ رحمه الله تعالى في اللغة أمثل منه في النحو أبو منصور، عن الشيخ أبي زكريا يحيى بن علي التبريزي عن أبي الجوائز الحسين بن علي الكاتب الواسطي، وقال: رأيت في سنة أربع عشرة وأربعمائة، وأنا جالس في مسجد قباء من نواحي المدينة امرأة عربية حسنة الشارة، رائقة الإشارة، ساحبة أذيالها، رامية القلوب بسهام جمالها، فصلت هناك ركعتين، أحسنتهما، ثم رفعت يديها، ودعت بدعاء جمعت فيه بين الفصاحة والخشوع، وسمحت عيناها يدمع غير مستدعًى ولا ممنوع، وانثنت تقول وهي متمثلة:
يا منزل القطر بعد ما قنطوا ... ويا ولي النعماء والمنن
يكون ما شئت أن يكون، وما ... تشاء ألا يكون لم يكن
وسألتني عن البئر التي حفرها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده، وكان أمير المؤمنين يتناول ترابها منه بيده، فأريتها إياها، وذكرت لها شيئاً من فضلها، ثم قلت لها: لمن هذا الشعر الذي أنشدته منذ الساعة؟