للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما أن فساد ترك إظهار الإيمان والصلوات أعظم من الفساد في إظهار ذلك رياء؛ ولأن الإنكار إنما يقع على الفساد في إظهار ذلك رئاء الناس.

الثاني: لأن الإنكار إنما على ما أنكرته الشريعة، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس، ولا أن أشق بطونهم» (١).

الثالث: أن تسويغ مثل هذا يفضي إلى أن أهل الشرك والفساد ينكرون على أهل الخير والدين إذا رأوا من يظهر أمرًا مشروعًا مسنونًا، قالوا: هذا مراء، فيترك أهل الصدق والإخلاص إظهار الأمور المشروعة حذرًا من لمزهم وذمهم، فيتعطل الخير، ويبقى لأهل الشرك شوكة يظهرون الشر، ولا أحد ينكر عليهم، وهذا من أعظم الفساد.

الرابع: أن مثل هذا من شعائر المنافقين، وهو يطعن على من يظهر الأعمال المشروعة قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: ٧٩].

فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما حث على الإنفاق عام تبوك جاء بعض الصحابة بصرة كادت يده تعجز عن حملها، فقالوا: هذا مراء، وجاء بعضهم بصاع، فقالوا: لقد كان الله غنيًا عن صاع فلان (٢) فلمزوا هذا وهذا، فأنزل الله ذلك، وصار عبرة فيمن يلمز المطيعين لله ورسوله (٣).


(١) أخرجه البخاري في المغازي باب بعث علي بن أبي طالب، وخالد بن الوليد إلى اليمن (٣/ ١١٠)، ومسلم في الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم (٢/ ٧٤٢).
(٢) أخرجه مسلم في الزكاة، باب الحمل أجرة يتصدق بها، والنهي الشديد عن تنقيص المتصدق بقليل (٢/ ٧٠٦).
(٣) مجموع فتاوى ابن تيمية (٢٣/ ١٧٤، ١٧٥).

<<  <   >  >>