[الاستحداد وتقليم الأظافر وسننهما المهجورة]
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين.
أما بعد: يقول الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: الاستحداد: استفعال، من استعمال الحديدة، وهو مستحب؛ لأنه من الفطرة، ويفحش بتركه، فاستُحبّت إزالته، وبأي شيء أزاله صاحبه فلا بأس؛ لأن المقصود إزالته.
وقال أيضاً: ونتف الإبط سنة؛ لأنه من الفطرة ويفحش بتركه، وإن أزال الشعر بالحلق والنورة جاز، ونتفه أفضل؛ لموافقته الخبر.
يستحب تقليم الأظفار؛ لأنه من الفطرة، ويتفاحش بتركه، وربما حكّ به الوسخ فيجتمع تحتها من المواضع المنتنة، فتصير رائحة ذلك في رءوس الأصابع، وربما منع وصول الطهارة إلى ما تحته.
أيضاً: يستحب غسل رءوس الأصابع بعد قص الأظافر، كما في حديث عائشة: (إن غسل البراجم من الفطرة)، ويحتمل أن البراجم يدخل فيها رءوس الأصابع بعد إزالة الأظافر، أو العُقَد التي تكون في ظهور الأصابع.
ومن الآداب المهجورة: دفن ما قلّم من أظفاره أو أزال من شعره؛ فإنه مستحب، والإنسان المسلم له حرمة عظيمة في الإسلام، فكل ما انفصل عن الآدمي تكون له هذه الحرمة، حتى إن العلماء ليذكرون أن من بُترت ساقه فإن هذه الساق لا ينبغي أن تُحرق أو تُرمى في أي مكان، بل لابد لهذا العضو أن يغسل، ويُصلى عليه، ويُدفن في المقابر.
فكذلك ما انفصل عن الإنسان وهو حيّ -سواء كان من شعره أو أظفاره- فينبغي له أن يدفنه أيضاً في التراب، وهذا أفضل ما يفعله بأجزاء بدنه إذا انفصلت عنه وهو حي، فهو من الآداب المستحبة لأجل تكريم الإنسان.
وبعض العلماء يستدل بقوله تبارك وتعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا} [المرسلات:٢٥] * {أَحْيَاءً ?وَأَمْوَاتًا} [المرسلات:٢٦] والكفت: هو الضم.
أي: فالأرض تضمّكم، {أَحْيَاءً ?وَأَمْوَاتًا} [المرسلات:٢٦]، فكأن من استدل بهذا الاستدلال يشير إلى أن الأرض تضم الأجزاء المنفصلة عن أبدانكم حتى وأنتم أحياء، والله أعلم.
يقول الإمام ابن قدامة: يستحب دفن ما قلّم من أظفاره أو أزال من شعره؛ لما روى الخلال بإسناده عن ميل بنت مشرح الأشعرية قالت: (رأيت أبي يقلّم أظفاره ويدفنها، ويقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك).
وقد نستغرب لهذا الحكم أو نستصعبه، ولكن يتأكد كل واحد منا أنه إذا حاول تنفيذ ذلك، فسيشعر بهذا النوع من العبودية، ويشعر بمعنى تكريم الإسلام لهذا الإنسان، فإذا جربت بأن تدفن ما ينفصل عن جسدك من الشعر أو من الأظفار فسوف تدرك معنى هذا الأدب الشرعي.
وعن ابن جريج عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كان يعجبه دفن الدم)، ولم يحقق الحديث كما هو غالب أحاديث المغني، وقال مهنأ سألت أحمد -أي: الإمام أحمد - عن الرجل يأخذ من شعره وأظفاره أيدفنه أم يلقيه؟ قال: يدفنه، قلت: بلغك فيه شيء -أي: هل عندك فيه حديث أو أثر-؟ قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما يدفنه، وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه أمر بدفن الشعر والأظفار، وقال: لا يتلاعب به سحرة بني آدم).
وهذا أيضاً لم يحققه، ولا أحسبه صحيحاً.