[إعفاء اللحية هو اتباع لهدي الخلفاء الراشدين المهديين]
كلنا يفتتح كلامه بهذه العبارة التي نحفظها ولا نلتفت إلى ما تتضمنه من المعاني:(إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم).
هذه الكلمة نقولها ووراءها من المعاني والأحكام الشيء الكثير، فمن اعتقد أن خير الهدي هو هدي محمد عليه الصلاة والسلام؛ كيف يصور لنفسه أن يحيد عن هذا الهدي؟! أما سنة الخلفاء الراشدين المهديين فقد جمعها الشيخ أبو محمد بديع الدين شاه الراشدي السندي حفظه الله تعالى، فقال: وقد ثبت عن الخلفاء الراشدين المهديين وغيرهم من الصحابة والتابعين أنهم كانوا ذوي لحى كبيرة، فكان أبو بكر الصديق كثُّ اللحية، وكان عمر كثّ اللحية، وكان عثمان كبير اللحية، وفي بعض الروايات كان كبير اللحية عظيمها، وعن السعدي: رأيت علياً رضي الله عنه، فكان عظيم اللحية، وقد أَخَذَتْ ما بين منكبيه.
يقول أستاذنا الشيخ بديع الدين: فهؤلاء أعقل الأمة كلها بإجماع علمائها، ثم بعدهم الأتباع ما لا أحصي منهم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة)، والنواجذ: الأضراس، وهذه صيغة مبالغة، حيث أنه تشبيه بأن تمسك الشيء لا بأسنانك القواطع بل بالأضراس، يعني: تدخلها في فمك ولا تخرجها أبداً، وهذا يدل على شدة التمسك.
ونشير هنا إلى قاعدة مهمة جداً ينبغي أن نستصحبها في هذا السياق، وهي التي استنبطها الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير قول الله عز وجل:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ}[الأحقاف:١١]، أي: لو كان الإيمان والإسلام خيراً ما سبقونا إليه.
يقول الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: وأما أهل السنة والجماعة فيقولون في كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة رضي الله عنهم: هو بدعة؛ وأنه لو كان خيراً لسبقونا إليه؛ لأنهم لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها.
وهذه العبارة تُفحم كل من يحاجّ ويجادل في أمرٍ قد ثَبَت خلافُه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لا سيما الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، فلا نقول كما قال الكفار: لو كان خيراً ما سبقونا إليه.
بل نقول: لو كان خيراً لسبقونا إليه.
وإنك لتعجب من قول بعض الناس مثل صاحب كتاب الحلال والحرام، حيث يقول: صحيح أنه لم يُنقل عن أحد من السلف حلق اللحية؛ ولعل ذلك لأنه لم تكن بهم حاجة لحلقها، وهي عادتهم!! فلا شك أن هذا تعليل ساقط، وكان الأولى به أن يستدل بعدم حلق أحد من السلف للحيته على عدم جواز ذلك عندهم، وأنهم ما فعلوا ذلك؛ لأنهم يعتقدون تحريمه وعدم جوازه.