سُئلت لجنة الإفتاء في رئاسة إدارات البحوث العلمية في السعودية عن حكم الصلاة خلف الإمام حالق اللحية، بَينَّوا تؤجروا؟ فكان
الجواب
حلق اللحية حرام؛ لما رواه أحمد والبخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(خالفوا المشركين، ووفّروا اللحى وأحفوا الشوارب)، ولما رواه أحمد ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(جزّوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس)، والإصرار على حلقها من الكبائر.
ولعلّي أوجه هذا الكلام الذي ذكره العلماء: وهو أن العبد إذا أذنب ذنباً كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب منها صُقل قلبه -يعني: جُلّي عنه- وإن زاد زادت، فذلك قوله تعالى:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[المطففين:١٤].
وقال الحسن البصري في تفسير هذه الآية: هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب فيموت.
فما في شك أن الإنسان إذا أصرّ وداوم على حلق اللحية كلما نبتت حَلَقها قد ارتكب كبيرة من الكبائر، ومن تاب واستغفر وأعفى لحيته تاب الله عليه، لكن طالما أنه يتعاهدها دائماً بالحلق والانتهاك والاستمرار في ذلك فهذا من الران، حتى أنهم في الجيش أحياناً يوقف العسكر طابور، ثم يؤتى بورقة ويضعها على اللحية، فإذا أصدرت صوتاً فمعنى ذلك أنه لم يحسن ممارسة هذه المعصية! فيعاقب الجندي على ذلك، ولذا فإن البعض يصرّ على فعلها كل يوم أو ربما مرتين في اليوم! وقد روي عن ابن عباس أنه قال: كل ذنب أصر عليه العبد كبيرة.
والعبارة مشهورة عن ابن عباس.
وأيضاً: لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار، فهذا وجه قول العلماء هنا: الإصرار على حلقها من الكبائر، ثم يقولون: فيجب نصح حالقها والإنكار عليه، ويتأكد ذلك إذا كان في مركز قيادي ديني.
وسوف نقف وقفة يسيرة على الفتيا السابقة فنقول: إمامة الصلاة هي من الأمانة، فإذا جاهر الإنسان بالمعصية كحلق اللحية، ولم يكن له عذر في ذلك، فهذا يدخل في قوله تبارك وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الأنفال:٢٧].
فالعلماء يطلقون صفة الفسق على المجاهر بالمعصية الذي لا يبالي بمن يلومه، بل ربما يستصوبها ويستحسنها، فمن لا يتأدب بآداب الشريعة ولا يهتم بأمر دينه كيف يؤتمن على أعظم شعائر الدين؟! وفي تقديمه للإمامة تعظيم له وليس هو من أهل التعظيم، وتقديمه كقدوة، فإن هذا يحمل الناس على الاستهانة بالمعصية، فالأولى بالإمامة مع الشروط المنصوص عليها في السنة: أن تكون في الخيار المتصفون بالهيئة الشرعية ظاهراً، والإمام المصر على هذه المعصية أحرى به أن يتنحى لمن هو أقوم بحدود الشريعة.