للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كيفية حفِّ الشارب

يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقص أو يأخذ من شاربه، وكان إبراهيم خليل الرحمن يفعله)، فهذه من سنن الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.

يقول القاري معلقاً على هذه العبارة: فالاقتداء بالحبيب بعد الخليل يورث الأجر الجليل والثواب الجزيل، والأولى أن يقول: فالاقتداء بالخليل بعد الخليل؛ لأن الخُلّة أعلى من المحبة، والنبي عليه الصلاة والسلام قد اتخذه الله خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً.

وقد وقع الخلاف في الإحفاء، هل المقصود به: استئصال الشارب تماماً؟ وهذا ذهب إليه بعض العلماء، فمنهم من يرى أن المقصود بالجزّ والحفّ: المبالغة في القص.

سُئل الإمام مالك عمن يحفي شاربه، فقال: ينبغي أن يُضرب من صنع ذلك، فليس حديث النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، ولكن يبدي حرف الشفة والفم.

هذا معنى قص الشارب، وهو: أن يأخذ فقط ما كان على طرف الشفة العليا، وقال لمن يحلق شاربه: هذه بدعة ظهرت في الناس.

وكان عمر رضي الله عنه إذا غضب فتل شاربه ونفخ، وهذا يدل على أنه لم يكن يحلق شاربه.

وقال الحافظ: والمعروف عن عمر أنه كان يفتل شاربه، وأيضاً روي أن خمسة من الصحابة كانوا يأخذون شواربهم مع ترك الشفة.

أي: يستأصلون ما زاد ونزل إلى حافة الشفة.

وفي حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه -وهو حديث صحيح- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يأخذ من شاربه فليس منا) و (من) هنا تبعيضية، ومعناها: أن المطلوب أن يأخذ من شاربه، لا أن يأخذه ويستأصله كله.

وعن جابر رضي الله عنهما قال: (ما كنا نُعفي السبال إلا في حج أو عمرة) أي: ما كانوا يتركون الشوارب ويطلقونها إلا في حج أو عمرة.

وقال البخاري: (كان ابن عمر يحفي شاربه حتى ينظر إلى بياض الجلد، ويأخذ هذين)، والمقصود بـ (هذين): مواضع اتصال الشارب باللحية.

وقال الغزالي: لا بأس بترك سباليه وهما طرفا الشارب، يترك أو يقص، وفعل ذلك عمر رضي الله عنه وغيره، ولا بأس أيضاً بتقصيره فقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما.

من قال: إن السبالين -اللذان هما جانبا الشارب- من الشارب فإنه ذهب إلى أنه يشرع قصّهما معه، وقيل: بل هما من جملة شعر اللحية، ويا ليت هذا هو الخلاف الذي نحتمي به الآن! وعن الشعبي: أنه كان يقص شاربه حتى يظهر حرف الشفة العليا وما قاربه من أعلاه، ويأخذ ما يزيد مما فوق ذلك، وينزع ما قارب الشفة من جانبي الفم، ولا يزيد على ذلك.

وقال مالك: يؤخذ من الشارب حتى يبدو طرف الشفة -وهو الإطار- ولا يجزه فيمثّل بنفسه.

وقال القرطبي: القصّ: أن يأخذ ما طال على الشفة بحيث لا يؤذي عند الطعام، ولا يجتمع فيه الوسخ، وفيه حديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام أخذ من شارب المغيرة على قياسه، حيث يقول المغيرة: (وكان شاربي وفى، فقصّه لي على سواك، أو قال: أقصّه لك على سواك).

واختلف العلماء في معنى: (على سواك) فبعض العلماء قالوا: يعني على أثر سواك، يعني: بعدما تسوك مباشرة قال له ذلك، والأرجح والله أعلم: أنه أخذ سواكاً فوضعه تحت الشعر، ثم قص ما جاوزه إلى السواك، وفي بعض الروايات: (فوضع السواك تحت الشارب وقص عليه).

وأخرج البزار من حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً وشاربه طويل، فقال: ائتوني بمقص وسواك، فجعل السواك على طرفه، ثم أخذ ما جاوره).

<<  <  ج: ص:  >  >>