[إعفاء اللحية وحكم أخذ ما زاد عن القبضة]
هناك خلاف في اللحية إذا طالت جداً وعرض الرجل نفسه بذلك للشهرة، فاجتهد بعض العلماء وذهب إلى أنه يأخذ منها، وهذا الأخذ مخالف لظاهر الحديث، لكن هذا قدر مختلف عليه، وقلّ ما نحتاج إليه هنا في مصر، وربما احتاج بعض الإخوة الباكستانيين أو غيرهم إلى مثل هذا؛ لأن شعورهم تطول جداً، وقد تصل اللحية إلى السرة مثلاً، فينطبق عليهم ذلك.
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي رواه البخاري: (خالفوا المشركين، ووفروا اللحى، وأحفوا الشوارب) زاد البخاري بعد هذا الحديث: (وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه).
فهذا عُمدة من يجيزون الأخذ من اللحية، بل يجيز بعضهم تقصيصها جداً، بحيث تكون قريبة إلى الحلق! فنقول لهم: بيننا وبينكم حديث ابن عمر، لنفرض أن فعل ابن عمر جائز أو أن فعله هذا هو الأفضل والأصح، فلماذا لا تقتدون بـ ابن عمر؟! حيث أنك تجد منهم أحياناً من يقص لحيته جداً حتى تكون قريبة إلى الحلق، ويحتج بفعل ابن عمر! وابن عمر لم يكن يأخذ إلا ما زاد عن القبضة، وما كان يفعل ذلك إلا في حج أو عمرة، فأين هذا من ابن عمر! وهناك قصة لطيفة حكاها بعض العلماء عن هشام الكلبي قال: حفظت ما لم يحفظه أحد، ونسيت ما لم ينسه أحد؛ حفظت القرآن في ثلاثة أيام، وأردت أن أقطع من لحيتي ما زاد على القبضة، فنسيت فقطعت من أعلاها.
قال الكرماني: لعل ابن عمر رضي الله عنهما أراد الجمع بين الحلق والتقصير في النسك، فحلق رأسه كله وقصر من لحيته ليدخل في عموم قوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح:٢٧]، فحلق رأسه وقصّر من لحيته بأن أخذ ما زاد على القبضة.
وإن كان بعض العلماء قالوا: الأظهر أن ابن عمر كان لا يرى تخصيص هذا بالنسك، بل كان يحمل الأمر بالإعفاء على غير الحالة التي تتشوه فيها الصورة بإفراط طول شعر اللحية أو عرضه، لكن سنة الرسول عليه الصلاة والسلام أحق وأولى بالاتباع.
وهناك خلاف بين العلماء في قضية معروفة، وهي: مخالفة رواية الراوي لرأيه أو فعله، فالذي روى هذا الحديث: (أعفوا اللحى) هو ابن عمر رضي الله عنهما، وظاهر هذا الأمر أن تُترك اللحية على حالها، ولا يتعرض لها بالقص أو التقصير، وابن عمر كان إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما زاد أخذه، وهنا خالف رأيه روايته، فمن قال من العلماء بمرجوحية فعل ابن عمر قال: إن الحديث الصحيح المعصوم لا يترك لمخالفة راويه وهو غير معصوم، إذ من الممكن أن ينسى الراوي الحديث، أو أنه لا يحضره وقت الفتيا، أو لا يتفطن لدلالته على المسألة التي خالفه فيها، أو يتأول فيه تأويلاً مرجوحاً، أو يكون في غيره ما يعارضه ولا يكون معارضاً له في الواقع إلى آخر هذه المعاذير.
أما حديث: (كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها) فهو حديث موضوع، والكلام فيه يطول جداً، وقد أشرنا من قبل إلى الترغيب في تغيير الشيب، فإذا ظهر الشيب في رأس الإنسان فإنه يستحب له أن يغيره، لكن عليه أن يجتنب السواد، فيخضب بأي لون، سواءً اكان أصفر أو أحمر، ويكون أفضل ما يكون بالكتم أو الحناء، فهذا أفضل ما يغير به الشيب، وهذه من السنن المهجورة، إلا الخضاب بالسواد؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (غيّروا هذا الشيب وجنبوه السواد)، وقال عليه الصلاة والسلام: (يكون في آخر الزمان قوم يسوّدون أشعارهم، لا ينظر الله إليهم).
أما كلام العلماء: فالمذاهب الأربعة في الحقيقة تكاد تكون متفقة على تحريم حلق اللحية، بل جاء في بعض كتب المالكية: قال العلماء: إن من تعمّد حلقها يُؤدَّب، ونظمها بعض العلماء فقال: يُمنع للرجل حلق لحيتهْ على الذي اعتُمد معْ عنفقتهْ إلا لعذرٍ كتداوٍ ووجبْ ذاك على المرأة فيما يُنتخبْ والحكم في الشارب حُكم ما ذُكْر ذكر ذا المعنى جميعاً فادّكرْ وفي الميسر الشهادة تُردّ به وتأديب ذوي العمد وردْ وهذا من نظم الشيخ حبيب محمد حبيب الله الشنقيطي رحمه الله تعالى أثناء تدريسه الكتاب: (الميسر على مختصر خليل حيث قام بنظم هذه الأبيات المذكورة.
قوله: (يمنع للرجل حلق لحيته).
يعني: يحرم على الرجل ويمنع من أن يحلق لحيته على المذهب المعتمد.
(مع عنفقته): وهي هذا الشعر الدقيق الذي يكون أسفل الشفة السفلى.
(إلا لعذر كتداوٍ) أي: إلا لعذر التداوي فهذا جائز.
(ووجب ذاك على المرأة فيما ينتخب) أي: الذي انتخبه واختاره من القولين: أنه يجب على المرأة إذا ظهر لها لحية أو شارب أن تحلقهما، وهذا فيه خلاف ليس هذا محله.
فلا نحتاج والحال كذلك إلى ذكر النقول عن المذاهب، وعن العلماء المعاصرين في تحريم حلق الرجل للحيته، وهناك فتوى في حكم إمامة الحليق، وهي فتوى نادرة لشيخ الأزهر في هذه القضية، فلتراجع.