حلق اللحية رغبة عن سنّة النبي صلى الله عليه وسلم ومخالفة لهديه وسمته
إن حلق اللحية رغبة عن سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يقول الله عز وجل في حقه صلى الله عليه وسلم: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:٦٣]، وقال عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:٧]، وقال تبارك وتعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء:٨٠]، وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:٢١].
وقال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وقال: (من رغب عن سنتي فليس مني)، وقال: (ليس منا من عمل بسنة غيرنا)، فمن سنته صلى الله عليه وآله وسلم -سواء السنة القولية أو الفعلية- إعفاء اللحية، يقول أنس رضي الله عنه: (كانت لحيته صلى الله عليه وسلم قد ملأت من هاهنا إلى هاهنا، وأمر يده على عارضيه).
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شمط مقدم رأسه ولحيته)، معنى شمط: ابتدأ ظهور شعيرات قليلة بيضاء، (وكان إذا ادهن لم يتبين)، فكان الطيب يخفي لون الشعيرات البيضاء القليلة، (وإذا شعث رأسه تبين) أي: إذا تفرق شعر رأسه بان الشيب، (وكان كثير شعر اللحية صلى الله عليه وآله وسلم).
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كث اللحية).
وعن علي رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عظيم اللحية).
وإذا كان المحب مولعاً أبداً باتباع حبيبه والاقتداء به، فماذا نقول لمن ظهرت عليهم آثار المعصية وشذوا عن الشرع المطهر ورفضوا إعفاء اللحية؟! نقول: حسابهم على الله، لكن ما بال هؤلاء يفرضون على كل من يحب رسول الله عليه الصلاة والسلام أو يقتدي به في هذه السنة فلا يجدون علامة يؤذونه بها إلا أن يقولوا: هذا ملتحي! لأنه متمسك بسنة الرسول عليه الصلاة السلام.
فتجد الإنسان يمتحن بسبب لحيته، وربما يفصل من العمل بسببها! ما الجريمة التي ارتكبها مثل هذا؟ لماذا لا تأخذونها من جانب الحرية الشخصية التي تتشدقون بها في تقليد الكفار؟ لماذا تعطى الحرية لكل فاسد وفاسق إلا المسلم المتبع لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! فويل لهم مما يصنعون من الصدّ عن سبيل الله تبارك وتعالى، وامتحان الناس بسبب حرصهم على اتباع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فإذا ظهرت هذه الموضة أو فعلها بعض الممثلين أو لاعبو الكرة أو غيرهم، واقتدى بهم الشباب في ذلك، فهذا شيء جيد، وهذه عصرية وتنوّر وتقدم وحضارة، أما إذا فعلوها اقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام نالوا الأذى والابتلاء بسبب ذلك! عن يزيد الفارسي قال: (قلت لـ ابن عباس رضي الله عنهما: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم.
قال ابن عباس: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: (إن الشيطان لا يستطيع أن يتشبه بي، فمن رآني في النوم فقد رآني)، فهل تستطيع أن تنعت لنا هذا الرجل الذي رأيت؟ قال: نعم، رأيت رجلاً بين الرجلين، جسمه ولحمه أسمر إلى البياض، حسن المضحك، أكحل العينين، جميل دوائر الوجه، قد ملأت لحيته من هذه إلى هذه حتى كادت تملأ نحره.
فقال ابن عباس رضي الله عنهما: لو رأيته في اليقظة ما استطعت أن تنعته فوق هذا).
وهذا الحديث فيه فائدة نذكرها وهي قوله عليه الصلاة والسلام: (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي)، فمن زعم أنه قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فلا يجزم بأن الذي رآه في المنام هو رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إذا وافقت صفاته في المنام الصفةَ المحكية عنه في صفاته الخَلْقية صلى الله عليه وآله وسلم.
وعن أم معبد: رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيف اللحية).
وقال أبو معمر قلنا لـ خباب بن الأرت رضي الله عنه: (أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم.
فقلنا له: بم كنتم تعرفون قراءته؟! -يعني هذه صلاة سرية لا يسمع فيها صوت القراءة فبم كنتم تعرفون قراءته؟! -وفي رواية قال: من أين علمت؟ قال: باضطراب لحيته)، معنى ذلك: أنك إذا رأيت الإنسان من وراء ظهره، وكانت لحيته تتحرك، فهذا يعني أنها لحية كبيرة، حيث أنها تتحرك إذا حرك شفتيه بالقراءة.
وفي قصة صلح الحديبية: (أن عروة بن مسعود جعل يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان كلّما كلّمه مدّ يده وأخذ بلحية النبي صلى الله عليه وسلم -وكانت هذه عادة عند العرب- والمغيرة بن شعبة قائم على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه السيف وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب - المغيرة - يده بنعل السيف، وقال: أخّر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم)، يؤخذ من هذا أن لحيته صلى الله عليه وسلم كانت عظيمة.
وعن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفاً من ماء فأدخله تحت حنكه، فخلّل به لحيته وقال: هكذا أمرني ربي عز وجل)، وتخليل اللحية بابٌ عَقَده الفقهاء في أبواب الوضوء، وعن عثمان رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته).