[أقوال العلماء في حكم حلق المرأة لشعرها]
العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه يجوز أن تحلق المرأة شعر رأسها.
واستدلوا بحديث يزيد بن الأصم في قصة زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بـ ميمونة رضي الله عنها، يقول: (إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها حلالاً وبنى بها، وماتت بَسَرِف، فحضرت جنازتها، فدفناها في الظلة التي بنا بها فيها، فنزلنا قبرها أنا وابن عباس، فلما وضعناها في اللحد مال رأسها، فأخذت ردائي فوضعته تحت رأسها، فاجتذبه ابن عباس فألقاه، وكانت قد حلقت رأسها في الحج، فكان رأسها محجماً)، ففي هذه الرواية أن رأسها كان محجّماً -يعني: من الحجامة- وفي رواية أخرى عن يزيد بن الأصم (أن ميمونة حلقت رأسها في إحرامها فماتت ورأسها محمم) رواه ابن سعد وإسناده صحيح.
ومعنى (رأسها محمم) يعني: مسوّد؛ بسبب نبات الشعر بعد الحلق.
وجاء من حديث أنس رضي الله عنه (أنه كان إذا حمم رأسه بمكة خرج واعتمر) يعني: كان يعتمر ويحلق، ثم ينتظر حتى ينبت شعره من جديد، ويصبح لونه مائلاً إلى السواد، فيعتمر مرة أخرى.
وقد ردّ بعض العلماء على من استدل بحديث ميمونة رضي الله عنها، وقالو: لعلها لم يبلغها الحديث بأن المرأة لا تحلق رأسها في الحج، بل تقصّر فقط عند التحلل من الإحرام، وليس عليها أن تحلق، بل تجمع شعرها أو ضفائرها وتأخذ منها قدر الأُنملة، فهذا يكفيها في التحلل.
فأصحاب القول الأول استدلوا بحديث ميمونة أنها حلقت رأسها في الإحرام، وهذا القول مرجوح بلا شك، ويؤول حديث ميمونة -إذا صح عنها- إما بأن هذا اجتهاد منها أخطأت فيه، وهذا احتمال بعيد، وإما أنها حلقت من أجل الحجامة؛ وذلك حتى تتمكن آلة الحجامة من الوصول إلى الموضع الذي احتجمت فيه، فيكون حلقها للتداوي.
وهذا الاحتمال هو الأقرب.
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله على صحة الحديث: فإن الحلق المذكور كان لضرورة المرض؛ لتتمكن آلة الحجم من الرأس، فالضرورة يباح لها ما لا يباح لدونها، {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:١١٩].
أما القول الثاني: أنه لا يجوز أن تحلق المرأة رأسها.
واستدلوا بجملة أدلة: الدليل الأول: إجماع العلماء على عدم حلقهن في الحج، ولو كان الحلق جائزاً، فأولى المواضع التي يجوز فيها هو التحلل، أو قضاء التفث في الحج؛ لأن هذا نسك.
قال ابن المنذر رحمه الله تعالى: أجمعوا على أنه لا حلق على النساء، وإنما عليهن التقصير، فيكره لهن الحلق؛ لأنه بدعة في حقهن، ولأنه مُثلة.
أي: تشويه للهيئة.
الدليل الثاني: هناك أحاديث جاءت بنهي النساء عن الحلق، وإن كانت آحاد هذه الأحاديث ضعيفة، لكن هذه الأحاديث يقوي بعضها بعضاً كما ذكر بعض العلماء.
منها حديث علي رضي الله عنه: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها).
وهناك أيضاً في نفس هذا الباب أحاديث عن عائشة وعثمان رضي الله عنهما.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: (ليس على النساء الحلق، إنما على النساء التقصير) رواه أبو داود وحسّنه الحافظ ابن حجر في الفتح، وأيضاً حسّنه النووي.
الدليل الثالث: أن هذا الفعل ليس من عمل المسلمين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
الدليل الرابع: أنه تشبه بالرجال، وهذا حرام، وقد ورد فيه اللعن.
الدليل الخامس: أن الحلق مُثْلة، والمثلة لا تجوز، ولا يجوز أن يشوه الإنسان هيئته.
القول الثالث: أن حلق رأس المرأة مكروه.
وقد ذكر الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى كراهة حلق المرأة رأسها من غير ضرورة، واستدل بحديث أبي موسى رضي الله عنه: (برئ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصالقة والحالقة)، والصالقة: هي المصوّتة التي تصوت صوتاً عالياً عند موت قريب لها.
والحالقة: هي التي تحلق شعرها حزناً على الميت.
يقول الحسن: هي مُثْلة، قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يُسأل عن المرأة تعجز عن شعرها وعن معالجته، أتأخذه على حديث ميمونة؟ قال: لأي شيء تأخذه؟ قيل له: لا تقدر على الدهن وما يصلحه، فتقع فيه الدواب؟ قال: إذا كان لضرورة فأرجو ألا يكون به بأس.
فالذين قالوا بالكراهة صرفوا النهي الذي يقتضي التحريم إلى الكراهة، وعلّلوا ذلك بأن أحاديث النهي عن الحلق فيها اضطراب أو إرسال.
وحديث: (بريء رسول الله عليه الصلاة والسلام من الصالقة والحالقة)، ليس على إطلاقه، بل لكونها فعلت ذلك جزعاً واعتراضاً على حكم الله في موتِ عزيزٍ عليها، فلذلك لم يحمل هذا الحديث على النهي المطلق.
وخلاصة الكلام: أنه يحرم على المرأة أن تحلق رأسها من غير ضرورة؛ لأنه مُثْلة، وتغيير لخلق الله، وتشبه بالرجال، فهذه كلها متحققة في الحلق, بجانب الأدلة التي سردناها.