[حكم الختان للرجل والمرأة]
يقول في منار السبيل: والختان واجب على الذكر والأنثى.
فهذا أحد المذاهب في حكم الختان، وهو هنا يوجبه على الذكر والأنثى، وهذه هي الرواية المعتمدة في المذهب الحنبلي.
وعلّل الوجوب بقوله: لأنه من ملة إبراهيم عليه السلام، وفي الحديث (اختتن إبراهيم بعدما أتت عليه ثمانين سنة)، وهناك زيادة في الحديث: (بالقدّوم) أو (بالقدوم) بالتخفيف والتشديد للدّال، والأكثرون رووه بالتشديد -يعني: بالقدُّوم- فإما أن يكون اسم مكان بالشام أخذاً بالتخفيف، أو يكون بآلة النجار على القول بالتشديد، وقد قال تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل:١٢٣]، فنحن مأمورون باتباع إبراهيم عليه السلام في ذلك، ولو لم يكن الختان واجباً عليه لما اختتن بعد أن بلغ عمره ثمانين سنة؛ لما في ذلك من المشقة.
وقد صح في تفسير قوله تبارك وتعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة:١٢٤] أن هذه الكلمات هي عشر، خمس في الرأس وخمس في الجسد، وذكر منها بعض خصال الفطرة.
فهذا من جملة ملّة إبراهيم عليه السلام وسنته التي أُمرنا باتباعه فيها، فلا يغتر الإنسان بما صدر من بعض المعاصرين كالشيخ محمد عبده في كلامه عند تفسير هذه الآية، حيث قال: كيف يكون ابتلاء إبراهيم بمثل هذه الأحكام؟! فكأنه استنقصها ولم يعلم أن هذا من جملة ما ابتلاه الله عز وجل وكلّفه به، ولا ينبغي أن يتعامل مع النصوص الشرعية بهذه الطريقة، وهذه المدرسة -كما تعلمون- ليست هذه أولى الزلات لها في التعامل مع النصوص الشرعية.
وتكليف إبراهيم عليه السلام بالختان وهو على رأس ثمانين سنة، أليس في هذا ابتلاء شديد من جملة ما ابتلاه الله عز وجل به من الأحكام؟! وقال عليه الصلاة والسلام لرجل أسلم: (ألق عنك شعر الكفر واختتن)، حسّنه الألباني وغيره، فهذا أمر وخطاب للواحد يشمل غيره، إلا إذا قام دليل على الخصوصية، وهنا لم يقم دليل على الخصوصية، فهو يشمل بعمومه جميع المكلفين.
ومن الأدلة: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا التقى الختانان وجب الغسل)، حديث صحيح، فقالوا: هذا دليل على أن النساء كُنّ يختتن.
وقال أحمد: كان ابن عباس رضي الله عنهما يشدّد في أمره، حتى قد روي عنه أنه لا حج له ولا صلاة.
والأدلة التي أوردها القائلون بوجوب الختان يصح الاستدلال بها على وجوبه بالنسبة للرجل، أما في حق المرأة ففيه تفصيل.
ومن أوضح الأدلة على جواز الختان في حق النساء على الأقل: قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل).
وقول الله عز وجل: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل:١٢٣]، هذا بالنسبة لختان الرجال، والآية فيها أمر باتباع إبراهيم عليه السلام فيما فعل، {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام:٩٠]، فهذا يقتضي إيجاب كل فعل فَعَله إلا أذا أتى دليل يدل على أنه سنة في حقّنا كالسواك ونحوه.
وكذلك حديث: (الفطرة خمس) وذكر منها (الختان).
وقد تقدم قول القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله: عندي أن الخصال الخمس المذكورة في هذا الحديث كلها واجبة، فإن المرء لو تركها لم تبق صورته على صورة الآدميين، فكيف من جملة المسلمين؟! أيضاً مما يستدل به على الختان في حق المرأة حديث أم عطية رضي الله عنها، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (لا تُنهكي؛ فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل) وفي رواية: (أشمي ولا تنهكي).
والحملة التي تُثار بين وقت وآخر ضد ختان النساء هي حملة غير منطقية وغير مقبولة؛ لأن القوم يغضّون الطرف عن هذه الضوابط التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر.
فقوله: (أشمي) وقوله: (ولا تنهكي) هو عبارة عن وضع للضوابط؛ لتفادي الأخطاء التي قد تحدث وتسبب بعض المضار، فكلامهم في هذه القضية هو تحصيل حاصل، وكذلك كلامهم فيما يتعلق بالأضرار التي تحصل عن هذا الأمر، وهي أضرار توجد في أي عميلة جراحية، حتى ختان الذكور قد يترتب عليه الكثير من الأضرار إذا حصل خطأ ممن يمارس هذه العميلة؛ لأن الناس يكلوا هذا الأمر إلى من ليس لديهم علم بأمور الجراحة أو الطب، فيحصل تلوث في الجرح، أو نزيف، أو أي خطأ نتيجة الاعتماد على الجهال أو الجاهلات في القيام بهذه الأعمال.
لكن هذا يُضبط بأن يشرف على هذا أهل الاختصاص وأهل الطب، ولا يقوم بهذا العمل إلا من شُهد له بالخبرة، سواء من الرجال أو النساء.
وهذه الحملة يأتون بها إلينا من الغرب لأسباب معلومة، وإلا فليس الخطأ ناتج من تطبيق هذه السنة، وإنما من بعض من يتصدرون للقيام بهذه الأشياء دون علم.
فقد يقال: إن الختان في حق الرجل واجب، أما في حق المرأة فهو مكرمة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الفطرة خمس) وذكر منها: (الختان والفطرة).
وهناك حديث رواه الإمام أحمد والبيهقي وفيه نظر من حيث الإسناد: (الختان سنّة للرجال، ومكرمة للنساء).
والمرأة تختلف عن الرجل في أمر الختان، فيصعب القول بالوجوب على الفريقين؛ لأن مصلحتها في أمر الختان حالية، وليست ضرورية.
وقد ثبت ختان الرجل كما جاء عن إبراهيم، ولم يثبت أن إبراهيم عليه السلام أمر المرأة بالخفض، ولكن قد ثبت في السنة استحباب الخفض.
والخلاصة: أنه واجب للذكور، ومكرمة للنساء.