للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فاللهُ تعالى عالمٌ بعبادهِ وهوَ معهم أينما كانوا، وعلمهُ بهم منْ لوازمِ المعيَّةِ (١).

وكذلكَ في قولهِ: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} إلى قوله: {هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة: ٧]. فإنَّهُ افتتحَ الآيةَ بالعلمِ وختمهَا بالعلمِ، فكانَ السِّياقُ يدلُّ على أنَّه أرادَ أنَّهُ عالمٌ بهم (٢).

ولمَّا قالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لصاحبهِ في الغارِ: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: ٤٠] كانَ هذا أيضًا حقًّا على ظاهرهِ، ودلَّتِ الحالُ على أنَّ حكمَ هذهِ المعيَّةِ هنا معيةُ الاطِّلاعِ، والنَّصرِ والتأييدِ.

وكذلكَ قولهُ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقُوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ *} [النحل: ١٢٨] وكذلك قولهُ لموسى وهارونَ: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: ٤]. هنا المعيةُ على ظاهرهَا، وحكمهَا في هذهِ المواطنِ النَّصرُ والتأييدُ (٣).

فلفظُ «المعيَّةِ» قد استعملَ في الكتابِ والسنَّةِ في مواضعَ، يقتضي في كلِّ موضعٍ أُمورًا لا يقتضيهَا في الموضعِ الآخرِ، فإمَّا أنْ تختلفَ دلالتها بحسبِ المواضعِ، أو تدلُّ على قدرٍ مشتركٍ بينَ جميعِ مواردهَا - وإن امتازَ كلُّ موضعٍ بخاصيَّةٍ - فعلى التقديرينِ ليسَ مقتضاها أنْ تكونَ ذاتُ الرَّبِّ عزَّ وجلَّ مختلطةً بالخلقِ، حتَّى يقال قدْ صرفتْ عن ظاهرهَا.


(١) مجموع الفتاوى (٥/ ٢٣١).
(٢) مجموع الفتاوى (٥/ ٤٩٥).
(٣) مجموع الفتاوى (٥/ ١٠٤).

<<  <   >  >>