وذلكَ أنَّ كلمةَ (مع) في اللُّغةِ إذا أطلقتْ فليسَ ظاهرهَا في اللُّغةِ إلَّا المقارنةَ المطلقةَ؛ منْ غيرِ وجوبِ مماسةٍ أو محاذاةٍ عنْ يمينٍ أو شمالٍ؛ فإذا قيِّدتْ بمعنًى مِنَ المعاني دلَّتْ على المقارنةِ في ذلكَ المعنى. فإنَّه يقالُ: ما زلنا نسيرُ والقمرُ معنَا أو والنَّجمُ معنا. فاللهُ مَعَ خلقهِ حقيقةً، وهو فوقَ عرشهِ حقيقةً.
ثمَّ هذهِ «المعيةُ» تختلفُ أحكامُهَا بحسبِ المواردِ فلمَّا قالَ: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا}[الحديد: ٤] إلى قولِه: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}[الحديد: ٤]. دلَّ ظاهرُ الخطابِ على أنَّ حكمَ هذهِ المعيَّةِ ومقتضاهَا أنَّه مطَّلعٌ عليكمْ؛ شهيدٌ عليكم ومهيمنٌ عالمٌ بكمْ، وهذا معنى قولِ السَّلفِ: إنَّه معهم بعلمهِ، وهذا ظاهرُ الخطابِ وحقيقتهُ.
وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الأهْلِ»(١). فهو سبحانهُ مَعَ المسافرِ في سفرهِ ومع أهلهِ في وطنهِ، ولا يلزمُ منْ هذا أن تكونَ ذاتهُ مختلطةً بذواتهم، كمَا قالَ:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ}[الفتح: ٢٩] أي: معهُ على الإيمانِ، لا أنَّ ذاتهم في ذاتهِ، بل همْ مصاحبونَ لهُ، وقوله:{فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ}[النساء: ١٤٦] يدلُّ على موافقتهم في الإيمانِ وموالاتهم.