للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلنا لهُ: لأنَّ القرآنَ يعاضدُ بعضُهُ بعضًا، وقدْ أخبرَ الله تعالى أنَّهُ على العرشِ استوى، وأخبرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم. فعلمنَا أنَّ هناك معنًى يختصُّ بهِ العرشُ دونهُ، فقلنَا هو على العرشِ استوى، ولا نكيِّفُ الاستواءَ؛ بلْ نصدِّقُ ونؤمنُ بهِ إيمانًا مجملًا، وأنَّهُ تعالى الله أنْ يكونَ في الحشوشِ والأمكنةِ الدنيئةِ فنزَّهناهُ عنهَا، وحملنا هذهِ الآيةِ على الإحاطةِ والعلمِ لذكرهِ العلمَ في ابتداءِ الآيةِ وآخرهَا، كما حملنا قولهُ تعالى لموسى وهارون: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: ٤٦] على النَّصرِ والتأييدِ وإنْ كانَ يسمعُ كلامَ فرعونَ ويراهُ كما يسمعُ كلامهمَا ويراهما، وليس كذلكَ هذهِ الآياتُ والأخبارُ التي وردتْ بصفاتِ الذَّاتِ فإنَّ العقولَ تقصرُ عنْ معرفةِ المرادِ بها فلزمنَا بالضَّرورةِ التَّصديقُ بها والإمساكُ عنها (١).

وقالَ شيخُ الإسلامِ ابن تيميَّة رحمه الله: إنَّ الكتابَ والسنَّةَ يحصلُ منهما كمالُ الهدى والنُّورِ لمنْ تدبَّر كتابَ الله وسنَّةَ نبيِّهِ، وقصدَ اتِّباعَ الحقِّ، وأعرضَ عنْ تحريفِ الكلمِ عنْ مواضعهِ، والإلحادِ في أسماءِ اللهِ وآياتهِ.

ولا يحسبُ الحاسبُ أنَّ شيئًا منْ ذلكَ يناقضُ بعضهُ بعضًا البتّةَ، مثل أنْ يقولَ القائلُ: ما في الكتابِ والسنَّةِ منْ أنَّ الله فوقَ العرشِ يخالفُ الظاهرَ منْ قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: ٤] ونحو ذلكَ، فإنَّ هذا غلطٌ.


(١) الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار (٢/ ٦٣٤ - ٦٣٥).

<<  <   >  >>