للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال سبحانه وتعالى: {فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} [هود: ٦١]، وقال عزَّ وجلَّ: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ *} [هود: ٩٠].

ومعلومٌ أنَّ قولَهُ سبحانه وتعالى: {قَرِيبٌ مُجِيبٌ} [هود: ٦١] مقرونٌ بالتوبةِ والاستغفارِ، أرادَ بِهِ قريبٌ مجيبٌ لاستغفارِ المستغفرينَ التائبينَ إليهِ، كَمَا أنَّه رحيمٌ ودودٌ بهم، وقدْ قرنَ القريبُ بالمجيبِ. ومعلومٌ أنَّهُ لا يقالُ إنَّهُ مجيبٌ لكلِّ موجودٍ، وإنَّما الإجابةُ لمنْ سألهُ ودعاهُ، فكذلكَ قربهُ سبحانه وتعالى.

وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: ٥٦].

فذكَّر الخبرَ وهوَ «قريبٌ» عن لفظِ «الرَّحمةِ» وهيَ مؤنثةٌ، إيذانًا بقربهِ تَعَالَى مِنَ المحسنينَ؛ فكأنَّهُ قَالَ: إنَّ الله برحمتهِ قريبٌ مِنَ المحسنينَ.

ويوضِّحُ ذَلِكَ: أنَّ الرَّحمةَ لمَّا كانتْ صفةً منْ صفاتِ الله تَعَالَى، وصفاتهُ قائمةٌ بذاتهِ؛ فإذا كانتْ قريبةً مِنَ المحسنينَ، فهوَ قريبٌ سُبْحَانهُ منهم قطعًا.

فالرَّبُّ تبارك وتعالى قريبٌ مِنَ المحسنينَ ورحمتهُ قريبةٌ منهمْ وقربهُ يستلزمُ قربَ رحمتهِ. ففي حذفِ التَّاءِ هاهنا تنبيهٌ عَلَى هذهِ الفائدةِ العظيمةِ الجليلةِ وإنَّ الله تَعَالَى قريبٌ مِنَ المحسنينَ وذلكَ يستلزمُ القربينِ قربهُ وقربَ رحمتهِ. ولو قَالَ: إنَّ رحمةَ الله قريبةٌ مِنَ المحسنينَ، لم يدلَّ عَلَى قربهِ تَعَالَى منهم.

وإنْ شئتَ قلتَ: قربهُ تباركَ وتعالى مِنَ المحسنينَ، وقربُ رحمتهِ منهم متلازمانِ لا ينفكُّ أحدهما عَنِ الآخرِ؛ فإذا كانتْ رحمتهُ قريبةً منهم، فهوَ أيضًا قريبٌ منهم، وإذا كان المعنيانِ متلازمينِ صحَّ إرادةُ كلِّ واحدٍ منهما.

<<  <   >  >>