للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٦ - الذي يجبُّ القطعُ بهِ أنَّ الله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} في جميع ما يصفُ بهِ نفسهُ، فمنْ وصفهُ بمثلِ صفاتِ المخلوقينَ في شيءٍ مِنَ الأشياءِ فهوَ مخطيءٌ قطعًا كمنْ قالَ: إنَّهُ ينزلُ فيتحرَّكُ وينتقلُ كمَا ينزلُ الإنسانُ مِنَ السطحِ إلى أسفلِ الدَّارِ كقولِ مَنْ يقولُ: إنَّهُ يخلو منهُ العرشُ، فيكونُ نزولهُ تفريغًا لمكانِ وشغلًا لآخرَ. فهذا باطلٌ يجبُ تنزيهُ الرَّبِّ عنهُ ... فإنَّ الله سبحانه وتعالى أخبرَ أنَّهُ الأعلى وقال: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى *} [الأعلى: ١] ... فهو سبحانهُ الأعلى منْ كلِّ شيءٍ، كما أنَّهُ أكبرُ منْ كلِّ شيءٍ، فلو صارَ تحتَ شيءٍ منَ العالمِ لكانَ بعضُ مخلوقاتهِ أعلى منهُ، ولمْ يكنْ هوَ الأعلى، وهذا خلافُ ما وصفَ بهِ نفسهُ (١).

٧ - علوُّه على العرشِ وعلى غيرهِ من المخلوقاتِ لا يوجبُ افتقارَهُ إليهِ، فإنَّ السَّمَاءَ عاليةٌ على الأرضِ وليستْ مفتقرةً إليهَا، والهواءُ عالٍ على الأرضِ وليسَ مفتقرًا إليهَا، وكذلكَ الملائكةُ عالونَ على الأرضِ وليسوا مفتقرينَ إليها. فإذا كانَ المخلوقُ العالي لا يجبُ أنْ يكونَ مفتقرًا إلى السَّافلِ، فالعليُّ الأعلى، الخالقُ لكلِّ شيءٍ، الغنيُّ عنْ كلِّ شيءٍ، أوْلى أنْ لا يكون مفتقرًا إلى المخلوقاتِ مع علوِّه عليها (٢).

٨ - إنَّ الله فوقَ سماواتهِ على عرشهِ بائنٌ منْ خلقهِ، امتنعَ أنْ يكونَ محصورًا أو محاطًا بشيءٍ موجودٍ غيره ... ويمتنعُ أيضًا أنْ يكونَ محتاجًا إلى شيءٍ منْ مخلوقاتهِ؛ لا عرشٍ ولا غيرهِ، بلْ هوَ بقدرتهِ الحاملُ للعرشِ ولحملتهِ، فإنَّ البائنَ عَنِ المخلوقاتِ العالي عليهَا يمتنعُ أنْ يكونَ في جوفِ شيءٍ منها (٣).


(١) شرح حديث النزول (ص٤٥٩).
(٢) درء تعارض العقل والنقل (٦/ ٣١٣).
(٣) درء تعارض العقل والنقل (٧/ ١٥ - ١٦).

<<  <   >  >>