ثم ذكر هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:«إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» وآخر الحديث: «وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» وأتى بهذه الجملة التي هي قوله: «إذا أمرتكم بأمر» يعني فيه الإشارة إلى أنه لما أمر الناس بأنهم يتوضؤون ويصلون فإنهم يتوضؤون ويصلون كما أمروا والصلاة إذا كان الإنسان قادر على أن يأتي بها على القيام ليس له أن يأتي بها عن جلوس وإذا كان يقدر على الجلوس ليس له أن يصلي وهو مضطجع ولهذا جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه: صلّ قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب، الأوامر يأتي بها الإنسان على قدر طاقته لأنه لما ذكر الوضوء وذكر الصلاة وذكر التيمم ذكر أن الإنسان على حسب طاقته يعني يفعل هذا الشيء لا يكلف الله نفسا إلا وسعها صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب، الأوامر يؤتى بها على قدر الطاقة لأنها قد تستطاع وقد لا تستطاع وأما النواهي فلم يتقيد بالاستطاعة ما قال وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه لأن الترك مستطاع كل يستطيع أن يترك لكن ليس كل يستطيع أن يفعل المأمور لأنه قد يقدر عليه وقد لا يقدر عليه فمثلا لو قيل لإنسان احمل هذه الصخرة صخرة كبيرة إن استطاع أن يحملها يحملها وإذا ما استطاع يتركها في مكانها لكن إذا قيل لا تدخل مع هذا الباب لا يدخل مع الباب لأن الترك مستطاع ما يقول والله أنا لازم أدخل فإذا قيل لا تدخل ولا تخرج مع هذا الباب فإنه يقدم على هذا ولا يحصل منه لأن الترك مستطاع وإنما الذي قد لا يستطاع الفعل فقد يستطاع وقد لا يستطاع إذًا ذكر هذا الحديث يعني هذه القاعدة التي فيها أن كل ما أمر بأمر يأتي به على قدر طاقته لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وأما الترك فإنه مستطاع وليس لأحد أن لا يجتنب المحظور لأنه قادر عليه ولأنه متمكن منه.