ثم بدأ بعد ذلك بالكتاب بعدما ذكر هذه المقدمة المختصرة التي بيّن فيها أنّه استقاه من كتب مسندة، هي الإحدى عشر وغيرها ممّا أبهمه وقال وغير ذلك، بدأ بكتاب الطهارة، ومعلوم أنّ كتب الأحكام تشتمل على العبادات والمعاملات، والعبادات هي: الصلاة والزكاة والصيام و الحج، ولمّا كانت الصلاة لا تصح إلا بالطهارة بالماء عند وجوده، وعند عدمه بالتيمم، فلا بد من الطهارة، فإنّها قُدمت وجُعلت بين يدي الصلاة؛ لأنّها شرط من شروط الصلاة، والشرط يتقدم المشروط، لابد أن يكون الإنسان عندما يريد أن يصلي أن يتوضأ (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) يعني إذا أردتم القيام فاغسلوا وجوهكم، فالإنسان عندما يريد الصلاة يتوضأ، وجاء في الحديث «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حدثاً حتى يتوضأ» فبدأ بالطهارة؛ لأنّها مفتاح الصلاة؛ ولأنّها لا تكون الصلاة إلا بطهارة، سواء كان بالماء، أو بالتيمم عند فقد الماء، وكثير من الأئمة سواء الذين ألّفوا في الأحكام مسندة أو غير مسندة، فإنّهم يبدؤون بالطهارة، أمّا البخاري ومسلم فقد بدؤوا بكتاب الايمان، فذكروا شيء يتعلق بالعقيدة، ثمّ بعد ذلك بدؤوا بالطهارة وغيرها من الأبواب التي تتعلق في العبادات والمعاملات، وأمّا أصحاب السنن فإنّ ثلاثة منهم بدؤوا بكتاب الطهارة، الذين هم: أبو داود، والترمذي، والنسائي، هؤلاء الثلاثة قالوا كتاب الطهارة، أمّا ابن ماجه فبدأ بأحاديث تتعلق بالعقيدة، وهي أحاديث كثيرة تبلغ مائتان وست وستين حديثا، فيها اتباع السنة وأحاديث أبواب كثيرة تتعلق بالعقيدة، ثم أتى بكتاب الطهارة، وكذلك الذين جاؤوا فيما بعد وألفوا في الأحكام فإنهم يبدؤون بكتاب الطهارة، مثل ما فعل عبدالغني المقدسي في كتابه عمدة الأحكام فإنه بدأ بالطهارة، وكذلك بعده صاحب منتقى الأخبار وهو: عبدالسلام جد شيخ الإسلام ابن تيمية فإنه بدأ كتابه بكتاب الطهارة، وكذلك ابن دقيق العيد بدأ بكتاب الطهارة، وابن عبدالهادي بدأ بكتاب الطهارة، وابن حجر بدأ بلوغ المرام بكتاب الطهارة وهكذا فبدؤوا بالطهارة، وأول حديث ذكره ابن عبدالهادي هنا هو حديث ماء البحر.