٣٨٦ - وَعَن عَمْرو بن سَلمَة الْجرْمِي قَالَ:" كُنَّا بِمَاء ممر النَّاس، وَكَانَ يمر بِنَا الركْبَان فنسألهم مَا للنَّاس؟ مَا للنَّاس؟ مَا هَذَا الرجل؟ فَيَقُولُونَ: يزْعم أَن الله عَزَّ وَجَلَّ أرْسلهُ، أَو أوحى الله بِكَذَا، فَكنت أحفظ ذَلِك الْكَلَام فَكَأَنَّمَا يقر فِي صَدْرِي. وَكَانَت الْعَرَب تلوّم بِإِسْلَامِهِمْ الْفَتْح فَيَقُولُونَ: اتركوه وَقَومه، فَإِن ظهر عَلَيْهِم فَهُوَ نَبِي صَادِق. فَلَمَّا كَانَت وقْعَة [أهل] الْفَتْح بَادر كل قوم بِإِسْلَامِهِمْ، وَبدر أبي قومِي بِإِسْلَامِهِمْ. فَلَمَّا قدم قَالَ: جِئتُكُمْ وَالله من عِنْد النَّبِي حَقًا، فَقَالَ: صلوا صَلَاة كَذَا فِي حِين كَذَا وصلوا صَلَاة كَذَا فِي حِين كَذَا، فَإِذا حضرت الصَّلَاة فليؤذن أحدكُم وليؤمكم أَكْثَرَكُم قُرْآنًا. فنظروا فَلم يكن أحد أَكثر قُرْآنًا مني لما كنت أتلقى من الركْبَان فقدموني بَين أَيْديهم وَأَنا ابْن سِتّ أَو سبع سِنِين، وَكَانَت عَلّي بردة وَكنت إِذا سجدت تقلصت عني، فَقَالَت امْرَأَة من الْحَيّ: أَلا تغطون عَنَّا است قارئكم!؟ فاشتروا، فَقطعُوا لي قَمِيصًا فَمَا فرحت بِشَيْء فرحي بذلك الْقَمِيص " رَوَاهُ البُخَارِيّ وَعند أبي دَاوُد: " وَأَنا ابْن سبع سِنِين أَو ثَمَان سِنِين " وَعند النَّسَائِيّ: " وَأَنا ابْن ثَمَان سِنِين ".
فهذه الأحاديث هي الأحاديث المتبقية من باب صلاة الجماعة عند ابن عبد الهادي في المحرر وأولها هذا الحديث عن عَمرو بن سَلَمَة الجَرْمِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنهم كانوا في طريق في ممر الناس، يأتون ذاهبين وآيبين يمرون، فكانوا يتلقون الركبان الذين يأتون من مكة والمدينة، وكان يتلقون عنهم، ويأخذون عنهم، وكان عَمْرو بن سَلَمَة يتلقى الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من طريق هؤلاء الركبان الذين يمرون بالمكان الذي هم فيه، فكان يتلقى، وكان أكثرهم قرآنًا، لأنه كان يحرص على السماع من هؤلاء الذين يمرون بهم، فكان يحرص على ذلك، وكان أكثرهم قرآنًا، ولما جاء وقت الصلاة، صلوا وجعلوه إمامًا لهم، لأنهم وجدوا أنه أكثرهم قرآنًا، وقد جاء في الرواية عند البخاري أنه "ابن ست أو سبع سنين"، وجاء عند أبي داود، وغيره أنها "سبع أو ثمان"، وجاء أيضًا أنه "ثمان سنين"، وعلى هذا فإن إمامة الصبي إذا كان مميزًا، والتمييز يكون ببلوغ السبع، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:«مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع» وهم قبل السبع ليسوا مأمورين، وإنما يؤمرون عند بلوغ السبع، وعلى هذا فإن المميز الذي بلغ سبع سنين فأكثر، فإنه يؤم الناس عند الحاجة إليه، لا سيما إذا كان أكثر من غيره قرآنًا، فهذا يدل على إمامة الصبي إذا كان مميزًا، وهذا عمل حصل في زمن النبوة، ولو كان ذلك غير صحيح لنزل الوحي ببيان أن عملهم هذا أنه ليس بصحيح، ومثله الحديث الذي جاء عن جابر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أو قال:"كنا نعزل والقرآن ينزل، لو كان شيئًا ينهى عنه لنهانا عنه القرآن"، فلو كانت صلاتهم غير صحيحة وأن هذا العمل غير صحيح لنزل القرآن ولجاء الوحي بذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعلى هذا فإن إمامة الصبي إذا كان مميزا أنها صحيحة، والعمدة في ذلك هذا الحديث.
ولكن كما قلتُ أن الروايات الأخرى التي جاءت "ست""سبع" أو جاءت "ثمان"، هذه روايات صحيحة، وهي التي تكون مطابقة لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع».