ثم ذكر حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه عن مولاه حمران رضي الله عنه وكان مولاه مولى عتق لأنه أعتقه والولاء يكون بولاء العتق وولاء الرق وولاء الحلف وولاء الإسلام إذا أسلم على يديه وهذا الولاء الذي في الإسناد إنما هو ولاء عتق لأن عثمان رضي الله عنه أعتق حمران فهو مولاه عن عثمان رضي الله أنه دعا بوضوء يعني طلب أن يحضر له ماء يتوضأ به وكان يريد من وراء ذلك أن يبين للناس الكيفية التي كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ بها وهذا من التعليم بالفعل لما فيه من المشاهدة والمعاينة وهذا من كمال حرص الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم على بيان السنن وبيان الأحكام الشرعية فكانوا يبذلون ما يستطيعون في بيان ذلك وإيضاحه ومن ذلك فعل عثمان رضي الله عنه، وقوله دعا بوضوء هذا يدل على أن الإنسان يجوز له أن يستعين بغيره في ما يتعلق بالوضوء وذلك بإحضار الماء إليه أو بمساعدته عليه وهو يتوضأ بأن صب عليه كما فعل المغيرة بن شعبة رضي الله عنه مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ ويصب عليه من الإداوة التي فيها الماء فدل هذا على أن مثل ذلك أنه سائغ وأن ذلك حصل من المغيرة بن شعبة رضي الله عنه مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكذلك حصل من عثمان رضي الله عنه أنه دعا بوضوء وكلمة وضوء بفتح الواو المقصود بها الماء الذي يتوضأ به وقد سبق أن مر بنا أن هناك كلمات إذا جاءت مفتوحة الأول فإن المقصود بها الشيء المستعمل وإذا كانت مضمومة الأول فإن المقصود به نفس الاستعمال وهي الوَضوء والوُضوء الوَضوء بالفتح للماء المستعمل وبالضم لنفس الاستعمال الوَضوء والوُضوء والسَحور والسُحور والطَهور والطُهور والوَجور والوُجور واللَّدود واللُّدود كل هذه إذا جاءت بالفتح فإن المقصود بها الشيء المستعمل وإذا جاءت بالضم فإن المقصود بها نفس الاستعمال وقد جاء في هذا الحديث ذكر الوَضوء مرة
واحدة وذكر الوُضوء بالضم مرتين في آخر الحديث الأول في أول الحديث للماء المستعمل وفي آخر
الحديث لنفس الاستعمال لأن عثمان رضي الله عنه قال من توضأ نحو وُضوئي هذا ثم قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من توضأ نحو وضُوئي هذا» فجاء ذكر الوضوء مضموما والمقصود به نفس الاستعمال، دعا عثمان رضي الله عنه بوضوء فتوضأ يعني شرع في الوضوء، فغسل كفيه ثلاث مرات يعني أنه قبل ما يبدأ بالوضوء فإنه يغسل كفيه حتى تكون نظيفة وإذا كان فيها شيء من الأوساخ فإنه يبدأ بوضعها على أعضاء الوضوء وعلى فروض الوضوء وهي نظيفة ليس فيها شيء من الوسخ، فغسل كفيه ثلاثا وهذا تمهيد للوضوء هذا ليس من الوضوء وإنما تمهيد للوضوء بأن تكون اليد في غاية النظافة وذلك بغسلها ثلاث مرات وهذا الغسل إنما هو مستحب ليس بواجب هذا من السنن التي قال فروضه وسننه لأن هذا من السنن فلو توضأ بداية ومضمض واستنشق وغسل وجهه دون أن يغسلهما ثلاثا فإن ذلك صحيح لأن ذلك يكفي والاتيان بهذا الغسل إنما هو مستحب وليس بواجب فهو من سنن الوضوء وليس من فروضه، ثم تمضمض واستنثر وهنا جاء ذكر المضمضة بدون تفصيل والاستنثار بدون تفصيل والمقصود بتمضمض يعني أدخل الماء في فمه وأداره فيه ثم أخرجه فهذه هي المضمضة وذلك فيه تنظيف للفم وفي داخله مما يكون فيه مما علق فيه بحيث يخرج فيكون الفم نظيفا عندما يدخل في الصلاة وعندما يأتي إلى الصلاة وإذ فمه نظيف وكذلك استنثر أن معناه أدخل الماء في أنفه وأخرجه لأن هناك استنشاق وهناك استنثار فالاستنشاق إدخاله إلى داخل الأنف يعني سحبه بالنفس وإخراجه الذي هو الانتثار ومعلوم أن الانتثار يكون بعد الاستنشاق الإنسان يدخل ثم يخرج وليس المقصود بالاستنشاق يدخل ولا يخرج وأنه يذهب إلى جوفه وإنما ينظف داخل أنفه ثم يخرج ذلك الماء الذي حصل فيه التنظيف والذي حصل فيه الوسخ من داخل أنفه فإذا ذكر الانتثار معناه يسبق إدخال الذي هو
الاستنشاق وإذا ذكر الاستنشاق فإنه إذا كان الماء دخل فإنه يخرج لا يبلع لأن ما فيه إلا خروجه أو بلعه، ثم غسل وجهه ثلاث مرات والمضمضة والاستنشاق اختلف العلماء فيهما منهم من قال أنها من فروض الوضوء وأن هذا من غسل الوجه لأن هذا داخل في غسل الوجه إلا أن فيه ما هو بارز وما هو مستتر فيكون غسل الوجه واليدين وما بعد ذلك من أمور ظاهرة وأما ما يتعلق بالمضمضة والاستنشاق فهي أمور داخلة فيكون هذا من جملة غسل الوجه وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أنها مستحبة وليست بواجبة ولكن
القول بالوجوب هو الأظهر لأنه جاء الأمر به وأيضا فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي جاء عنه أنه كان يتمضمض ويستنشق وهو مبين لما جاء في القرآن الكريم من بيان غسل الوجه وأنه يدخل فيه المضمضة والاستنشاق فغسل وجهه ثلاثا يعني ثلاث مرات، ثم غسل اليدين ثلاث مرات إلى المرفقين والمقصود أن المرفق هي النهاية ولكنها داخلة في الغاية وذلك في الحديث الذي سيأتي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- توضأ وغسل يديه حتى أشرع في العضد يعني أنه دخل في العضد وقوله أشرع في العضد معناه أن المرفقين داخلان وليسا خارجين فقوله إلى المرفقين يعني مع إدخال المرفقين في الغسل فالغاية داخلة في المغيّا وليست خارجة عن المغيّا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي قال: حتى أشرع في العضد وغسل الرجلين حتى أشرع في الساق، ثم مسح رأسه يعني مرة واحدة وقد جاء في بعض الروايات كما سيأتي أنه مرة واحدة والمسح هو الإمرار وليس الغسل لأن الغسل يختلف عن المسح الغسل يتكرر وقد جاء أنه يتكرر والمسح ما جاء أنه يتكرر وإنما جاء أنه مرة واحدة، وما يتعلق في غسل الرجلين مثل ما حصل في غسل اليدين الغاية داخلة في المغيّا وقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه غسل رجليه حتى أشرع في الساق يعني معناه أنه دخل في الساق وعلى هذا فتكون الغاية داخلة في المغيّا وأن الكعبين وهما العظمان الذين في جوانب القدم يعني في الجانبين داخلين في الغسل فهذه الصفة التي بينها عثمان رضي الله عنه بالفعل مبينا كيفية وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ نحو وضوئي هذا هنا قال بالضم، وهذا فيه بيان السنة في الوضوء أن الإنسان إذا توضأ يصلي ركعتين ولكنها ليست بواجبه ولكنها مستحبة فقط وقوله ركعتين لا يدل على أنه لا يزيد على ركعتين وإنما المقصود أنه لا ينقص عن ركعتين ما يصلي ركعة واحدة لأن الركعة
الواحدة لا يؤتى بها إلا في الوتر وأما الركعتان فإن ذكرهما بيان أنهما أقل شيء فلو أراد أن يصلي أربعًا له أن يصلي أربعًا وهذا مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: إذا دخل المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين يعني موب معناه يصلي ركعتين ولا يزيد وإنما المفهوم أنه لا ينقص منهما وإنما الزيادة له أن يزيد، وهذه الكيفية التي ذكر فيها الفروض وسننه هي مرتبة بهذا الترتيب بحيث أن الوجه لابد أن يكون في الأول ثم بعده اليدان ثم بعد اليدان مسح الرأس ثم بعد ذلك غسل الرجلين فلا يقدم بعضها على بعض أما بالنسبة للمضمضة فيمكن إن
حصلت قبل الوجه أو حصلت بعد غسل الوجه لأنها كلها مع الوجه فسواء قدامها أو أخرها سواء غسل وجهه قبل المضمضة والاستنشاق أو قدم المضمضة والاستنشاق لأن كل ذلك داخل في غسل الوجه لأن المضمضة والاستنشاق جزء من غسل الوجه فله أن يقدمها وله أن يؤخرها ثم أيضا فيما يتعلق في غسل اليدين اليمنى قبل اليسرى يعني هذا هو الأصل وهذ هو الذي ينبغي أن يكون لكن لو حصل أن قدم اليد اليسرى على اليمنى فإن ذلك يصح بالإجماع يجوز بالإجماع لأن الإنسان لو غسل يده اليسرى قبل اليمنى فإن ذلك صحيح وكذلك لو غسل الرجل اليسرى قبل اليمنى فإن ذلك صحيح لكن الأولى أن تكون اليمنى في الأول وأن تكون الآخرة هي الأخيرة.