للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عن كل أذن مطارِدة؛ بل إنه كان يقتادني معه أحياناً حذو (البنثيون Panthéon) أو (مقبرة العظماء)، مبالغة منه في الحذر. أعني بطريقة لا يتاح معها لأي طفيلي أن يقتنص ما يدور بيننا، من غير أن نشاهده مقبلاً عن بعد في هذا الميدان البراح.

والمؤكد أن الفكرة التي يكونها عن الوضعية الاجتماعية والسياسية في بلاده، هي التي يترجمها سلوكه بهذه الطريقة: إنه إنسان مطارد، لأن الوضع الاجتماعي والسياسي في الصين كان على مدى من السوء اقتضى منه هذا السلوك.

وبعد عشرين سنة من هذا التاريخ، أتيج لي أن ألتقي بشاب صيني آخر، أعني بعد تحرير الصين. ولقد كان هذا الشاب أقل ثقافة من صديقي ولا شك، وأقل منه اندفاعاً كذلك. ولكن أيّ تماسك في موقفه! ... لقد كان يصغرني بمراحل، ولكنه كان يتفرس فيّ ويتفحصني، يستشفني ويدرسني. وبتذكري لصديقي القديم، فهمت أن الثورة قد قامت بتبديل للشخصية الصينية: لقد هيمن مخاطبي على الصعوبات الداخلية، التي كانت تضفي فيما سلف على صديقي القديم مَيْسَم الإنسان المطارد! ..

ولقد سيطر الشاب الصيني، على هذه الصعوبات القائمة في عالمه الداخلي، وهو الآن- ونظرته إليّ توضح لي ذلك- يسعى للسيطرة على صعوبات عالمه الخارجي. وإننا لنتساءل: كيف تمّ التحول في الشخصية الصينية؟ المؤكد أن الثورة لم تأت بالحل لكل المشاكل القائمة في الصين بطرقة من عصاً سحرية؛ فعدد المشاكل وطبيعتها لما ينقصا بعد إلى حد يسمح بميلاد (عالم خارجي) يستطيع فيه الجيل الصيني الناشئ التمكُّن من الراحة والشعور بالتماسك، إلا أن هذا الجيل يجد أسباب تلك الراحة في ذاته هو، أي في (عالمه الداخلي)، فالثورة الصينية لم تحذف المشاكل ولكنها حورت موقف الفرد بالنسبة إليها من أساسه. وصديقي القديم كان يرى تلك المشاكل، ولكنه لم يكن ليرى أي طريق يؤدي إلى

<<  <   >  >>