وهذا النوع من التفكير. وذلك التنهد المتحسر. ينبئاننا عن الكثير فيما يتعلق بالحالة الروحية التي عليها زائري الذي لا يشكو أيَّ خصاصة من الناحية المادية ...
وهاتان الزيارتان- الزيارة التي قمت بها. والزيارة التي قام بها غيري إليَّ- تركتا فيَّ تأثيراً عميقا. لأن ما تبدى لي منهما قد ذكرني بحالتين أخريين وَصلتُ من مقارنتهما إلى نتائج محسوسة.
والحاصل أن هذه المقارنة قد تمت آلياً في مخيلتي، حتى لقد تلخت عني أوجاع ساقي بمجرد سماعي لكلمات الطبيب الذي استقدمته لعلاجي! ..
فقد تعرفت في باريس- أثناء المدة الواقعة بين سنة ١٩٣٤م وسنة ١٩٣٥م- إلى طالب صيني كان زميلاً لي في الدراسة، وقد ربطت بيننا صداقة متينة، لأن كل واحد منا يعيش مأساةَ الإنسان المستعمَر بطريقته الخاصة.
ونحن نذكر أن (الإمبريالية) اليابانية كانت طوال تلك المدة تتدفق على القارة الصينية بغية اسْتِنْحَاتِ مملكة استعمارية. وكان صديقي شديد التأثر لذلك، مما يزيد في التهاب أحاسيسه الوطنية، وكنا نتبادل بطبيعة الحال أحاسيسنا تلك فيما بيننا. إلا أنني لم أكن لأعرف كيف كانت نظرته إليَّ كمناضل جزائري في ذلك الحين؛ ولكنني أذكر جيداً كيف كانت نظرتي بالنسبة إليه كمناضل صيني؛ فقد كنت متأكداً أنه مستعد لبذل حياته في سبيل خلاص بلاده. ووراء هذا العزم الذي طالما رأيته يلتمع في عينيه كالوميض البارق، كنت أستبين كذلك قرارة من التشاؤم واليأس: لقد كنت أستشعرني إزاء إنسان حائر. إنسان مطارَد .. وعلاوة على ذلك فهو لم يدع لي في هذا الصدد أيَّ مجال للريب: ففي كل مرة يريد أن يتحدث إلي فيها عن السياسة، كان يأخذني جانباً، بعيداً