يريد الاستعمار إضافته في هذه المرَّة إلى الفكرة التي نحن بصدد تحريرها هنا، وهذه لغة مرآته، وكأنها تقول للقارئ: إننا هنا بصدد تحرير فكرة عزيزة على رجل يقف في هذه الآونة أمام عدالة بلاده، متَّهماً بالخيانة العظمى!! ..
ولكي نترك للقارئ تحكيم حاسته النقدية، نُذكِّره فحسب، بأن السيد (فاضل الجمالي) وبقية الرجال الذين كانوا يحكمون معه ببغداد، كان لهم قاموس ديبلوماسي آخر؛ وبما أنني أعرف من هو فاضل الجمالي منذ زمن بعيد- وقد كنت أجاهر بذلك في كتاباتي عندما كان بعض الساسة المعيَّنين يفسحون له صدورهم في صحافتهم- فإنني أستطيع أن أؤكد أن (فرس الرّهان) السابق (لنوري السعيد)، كان يستعمل كلمة (إسلامستان): بدل (كملنويلث إسلامي) وهي الكلمة التي قذفَت بها وزارة الخارجية الإنكليزية في (طهران) منذ نهاية الحرب الأخيرة، لتَضع بها قاعدة مفاهيمية تمهِّد (لحلف بغداد) مستقبلاً!
وإذن فنحن قلباً وقالباً أمام (مرآة) تُسْتَعمل بدقَّة متناهية في (إسقاط) انعكاسات معينة على فكرة الكمنويلث الإسلامي، ويتعين علينا أن ندع للقارئ التَّمَرُّن على زيادة تحليل آليتها إذا أراد.
فقد أردنا في هذه الفقرة أن نبين له ببساطة أنه يَنْضافُ إلى الضِّعف الداخلي في تجهيزنا المفاهيمي، (إضْعَاف) ناتج عن مجهود منهجي، من المعاكسة الموتجِّهة من الخارج؛ وباجتماع ذينك المفعولين تصبح حياة (الأفكار) صعبة في المجتمع الإسلامي، المجتمع الذي لم يَصِلْ بعد- في طوره/ ما قبل الاجتماعي/- عالمَ الأشياء بعالم الأفكار. وبطبيعة الحال فإنَّ لهذا التخلُّف الذي يَسِمُ طوره/ ما قبل الاجتماعي/ دَوِيُّه وتأثيره على كل الحياة في الأشكال المختلفة للافعَّالية التي قد تكوِّن من الوجهة الاجتماعية أهمَّ مشكلات العالم الإسلامي.