للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليست الأحداث السياسية في عصر الطوفي منحصرة في هذه الحرب ولا فيما فعله النصارى من خراب البلاد والمدن، والتجبر والفساد في الأرض الإسلامية، ولكن تعرض المسلمون وبلادهم إلى أمر عظيم لا يقل سوءا عن الحروب الصليبية، بل هو أمرّ وأحلك من ذلك الأمر. هو غزو التتار الذين أسقطوا الخلافة الإسلامية ودمروا المدن العامرة، وقتلوا الأنفس البريئة، حتى سالت الدماء في كل موطن دخلوه، من شدة فتكهم بالعباد، وكثرة قتلهم لهم.

ففي سنة ٦٥٦ هـ أي قبل ولادة الطوفي بعام واحد تقريبا تعرضت دار الخلافة" بغداد" لهجوم التتار الذي غير معالمها وجمالها وبهاءها، وألبسها ثوب الحزن والهوان، بعد أن كانت منارة إشعاع العلم والمعرفة، ومركز المدنية والحضارة، ودارا للخلافة أكثر من خمسمائة سنة.

وكان دخولهم إليها بمساعدة وتدبير الرافضي الخبيث ابن العلقمي «١» الذي كان وزيرا للمستعصم بالله «٢» آخر خلفاء بني العباس في بغداد فقد كان متعصبا لطائفته متحاملا على أهل السنة، فجاء بالتتار ظنا منه أنه سيكسب بذلك التأييد لطائفته وستصبح له ولها السيادة والزعامة على غيرهم.

ولكن الله أخزاه وفضحه فلم يظفر من خيانته بما يسره، بل لقد ندم أشد الندم، لأنه فقد ما كان فيه من الصولة والعزة التي كان يتمتع بها أيام الخليفة العباسي، وأهانته التتار حتى مات مغموما «٣».


(١) محمد بن أحمد بن علي أبو طالب مؤيد الدين الأسدي البغدادي توفي عام ٦٥٦ هـ، وخلفه ابنه عز الدين محمد. (انظر البداية والنهاية ١٣/ ٢١٢، وشذرات الذهب ٥/ ٢٧٢، والأعلام ٥/ ٣٢١).
(٢) أبو أحمد عبد الله بن المستنصر بالله أبي جعفر منصور بن الظاهر محمد بن الناصر العباسي. قتل سنة ٦٥٦ هـ (انظر شذرات الذهب ٥/ ٢٧٠، والنجوم الزهرات ٧/ ٦٣).
(٣) انظر شذرات الذهب ٥/ ٢٧٠ - ٢٧٣، والبداية والنهاية ١٣/ ٢٠٠ - ٢٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>