للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالنقص، فما المرجح لأحد القدحين على الآخر؟ على أن ما في القرآن أولى بالاعتبار لأنه أنسب بسياق القضية لمن تدبره، ولأنه أقرب عهدا بالظهور من التوراة «١»، وأبعد عن التحريف والنقل من لغة إلى لغة، ومن ترجمة إلى ترجمة، والمسلمون أشد عناية بحفظه من أهل الكتابين بحفظهما.


- اليهود. وفي الأمر ما هو أغرب من ذلك، فاليهود يدعون أن الله تعالى أوحى إلى موسى- عليه السلام- وهو بطور سيناء نوعين من الوحي: الأول: الشريعة المكتوبة" أسفار التوراة" والثاني: الشريعة المكررة، أو التعاليم الشفهية. وهذه سرية في زعمهم تتضمن التفسير الصحيح الذي يعنيه الرب سبحانه ويريده من النصوص الظاهرة المكتوبة في أسفار التوراة. كما يزعمون أن هذه التعاليم تنوقلت شفاها عن موسى- عليه السلام- عبر أربعين جيلا حتى انتهت إلى يهوذا هاناسي، فدونها خشية الضياع وسميت:" المشناة" أي: المعرفة. ثم شرح الأحبار المشناة في أورشليم وبابل وسميت الشروح:" الجمارا" أي الشرح أو الإكمال. ومن المتن وشرحيه تكون ما يسمى التلمود الأورشليمي والتلمود البابلي، على أن من يحمل كل منها يرى أنه هو الصحيح وأن الآخر باطل. فهذا التعدد دليل على التحريف والتبديل والافتراء على الله: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ ووَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (البقرة، آية: ٧٩) وقد بين كثير من العلماء تناقض هذه الكتب والأناجيل التي بأيدي النصارى. [انظر الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ١/ ٩١ - ١٩٦، ومعركة الوجود بين القرآن والتلمود ص ٣٦ - ٣٨، وإفحام اليهود ص ١٣٥ - ١٤٥، ومقامع هامات الصلبان" بين المسيحية والإسلام" ص ١٧٤ - ١٩١].
(١) من حكمة الله تعالى أن بعث في كل أمة رسولا، فإذا مات واندثرت شريعته بعث رسولا آخر فتكون الشريعة المتأخرة ناسخة للمتقدمة وهذا نلزم به النصارى حيث يدعون هم أن اليهود مخطئون في دعواهم أن شريعة موسى- عليه السلام- لم تنسخ ولا تنسخ ويثبتون النسخ- وإن كانوا ينكرون نسخ شريعة عيسى- عليه السلام- فكما أن الإنجيل عند النصارى نسخ بعض أحكام التوراة فكذلك القرآن كان ناسخا لهما جميعا لتأخره عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>