للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأفعال بحسب مادتها. ودلالة الإنجيل قاطعة في نحو عشرين موضعا منه على عدم تجردها. كما سبق.

الثاني: أن الباري- سبحانه وتعالى- إن قلتم ليس مجردا عن المادة فقد جعلتم الملائكة والشياطين أكمل منه. وإن جردتموه عن المادة فقد جوزتم تأنسه بالإنس حتى يمازجهم ويظهر في مظاهرهم كظهوره في ناسوت المسيح حتى صار يأكل ويشرب ويتغوط ويقتل ويصلب ويركب «١» الحمار ويشرب الخمر ويحي العظام النخرة فيجعلها أوفر ما كانت لحما ويصلي ويتعبد، فجواز ذلك على الجن الذين هم بعض خلق الله- سبحانه- بقدرته عليهم، وتصرفه فيهم أولى، وحينئذ لا يمتنع أن الجن إذا أرادوا الطعام خلق الله لهم على ما وجدوه من العظام لحما يأكلونه «٢»، وإن كنا نحن لا نرى ذلك، إذ لا حاجة بنا إليه فلا يوجد اللحم عليها حين نراها.

فإن قيل: المسيح كان يفعل ما ذكرتم من الأفعال بناسوته لا لاهوته.

قلنا: هذا باطل. فإنكم صرحتم بأن المسيح هو مجموع اللاهوت والناسوت وأن المسيح هو الله، وأنه إنما ظهر ذلك المظهر بطريق التأنس بالإنس والانتقال من حال إلى حال.


(١) في (أ): ويرد الحمار.
(٢) أخرج البخاري في مناقب الأنصار، باب ذكر الجن (٣٢) عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:" ... وإنه أتاني وفد جن نصيبين- ونعم الجن- فسألوني الزاد، فدعوت الله لهم أن لا يمروا بعظم ولا بروثة إلا وجدوا عليها طعاما" اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>