(من أسند لك فقد حملك) يعنون أن من ذكر لك سند الرواية فقد برئت ذمته، وحملك أنت مسئولية البحث عن صحته ..
ومع أن هذا الكلام صحيح فى حد ذاته، وربما كان محتملا للخاصة أو خاصتهم فى زمنه إلا أنه يحمّل القراء عامة أمانة فوق طاقتهم، فليس كل قارئ عارفا بالرجال، أو
بأساليب النقد، حتى يستطيع التمييز بين المقبول وغير المقبول، وليس كل قارئ عنده الرغبة أو الأمانة التى تحمله على التوقف حتى يتبين.
على أن هذا إن كان ممكنا فى زمن كثرت فيه الكتب المطبوعة المتداولة التى عنيت بالرواة ونقدهم وبيان غثهم من سمينهم، فإنه لم يكن متيسرا من قبل شيوع هذه الكتب.
ومن أجل هذا كان تدوين هذه الروايات التى كانت متداولة على ألسنة الناس فى أيامه- ومعروف بين العلماء أنها كانت بضاعة القصاص للتكسب والرواج عند العامة- أقول كان رفعها إلى مقام التدوين، ووضعها بجانب كلام الله على أنها تفسير له، مما ساعد كثيرا على إشاعة الخرافات والأضاليل فى نفوس المسلمين ملصقة بتفسير كلام الله.
بل إنى أقول أكثر من هذا فيما يتصل بالروايات التى نقدها، وهى أمنية تمنيت أن لو كانت قد تحققت فى ذلك الزمن المبكر من وضع التفسير، كنت أتمنى أن لو اقتصر الطبرى وأمثاله على الروايات الصحيحة فى تفاسيرهم، وجردوها من الروايات الباطلة التى كروا عليها بالنقد .. لأنها كانت ستموت فى زمنها، أما بعد أن دونت ووضعت بجانب التفسير. فقد فتحوا الباب للقصاص وأصحاب الهوى أن يطلعوا عليها، ويستندوا إليها، فى حكاياتهم للعوام لجذب انتباههم، وكسب إعجابهم .. وابتزاز أموالهم .. كما نرى الكثير فى أيامنا ممن يدورون فى الأرياف، وبين العوام، أو متخلفى الثقافة، يتحدثون فى التفسير أو الدين ويستولون على ألبابهم بهذه الروايات الخيالية الخرافية، دون خوف من الله، ولا حرج من أصحاب العقول والفهم. ولا مراعاة لما يجب أن يكون عليه