وعلى هذا الأساس من الفهم المستقيم لمعنى العلم، انطلق المسلمون إلى العبّ من المعرفة، بشتى ألوانها وموضوعاتها دون أى تحرج من تعلم أى علم، حتى ولو كان شرا أو فيه شر .. ومنطقهم فى هذا كما يقول أحدهم:
وأعرف الشر لا للشر ... ولكن لتوقيه
فمن لا يعرف الشر ... من الخير يقع فيه
وكان من الطبيعى أن يبدءوا بمعرفة ما يتصل بدينهم من فهم القرآن، وأحكام العبادات، والمعاملات التى جاء بها الإسلام، من واقع إخلاصهم لدينهم. وحرصهم على تطبيقه فى حياتهم .. ثم انطلقوا بعد ذلك ومعه إلى كل علم، وكل فن لم يقفوا عند حد فيه ولم يتحرجوا من العبّ منه .. على اعتبار أن ذلك مما يأمرهم به دينهم أو على الأقل مما يرضى عنه .. حتى كنا نجد العالم منهم بجوار إحاطته بعلوم التفسير والحديث والفقه، وعلم الكلام متبحرا فى الطب، وفى الفلسفة، وفى الموسيقى .. وفى اللغة، والأدب، ونذكر نموذجا لهذا النوع من العلماء. الإمام فخر الدين محمد عمر بن الخطيب الرازى المولود فى سنة ٤٥٣ هـ والمتوفى سنة ٦٠٦ هـ، فقد صدرت عنه كتب فى: التفسير، وعلم الكلام، والأصول والفقه، والنحو والأدب، والفلسفة، والطب والهندسة، والفلك، بجوار معارفه التى لم يصدر فيها كتب، ويعتبر تفسيره موسوعة عامة فى مختلف العلوم مع التفسير.
فكان العالم بالطب أو الهندسة، أو الفلك أو بها جميعها عالما أيضا فى شئون الدين، واللغة والأدب، مما يشبه أن يكون عالما موسوعيا يجمع بين أطراف العلوم المختلفة فى موضوعاتها .. لم يروا بحكم دينهم وتدينهم أن هناك شيئا يحد من تعلمهم ومن تبحرهم فى علوم أخرى بجوار العلوم المتصلة بالتفسير والحديث واللغة .. كلها علوم يدعوهم دينهم إلى معرفتها.
ولذلك وجدنا فطاحل من علماء المسلمين، فى كل فرع من فروع العلم ..