وفى مقدمة تفسيره يقول: «اعلم أنه مر على لسانى فى بعض الأوقات أن هذه السورة الكريمة (الفاتحة) يمكن أن يستنبط من فوائدها ونفائسها عشرة آلاف مسألة فاستبعد هذا بعض الحساد، وقوم من أهل الجهل والغى والعناد، وحملوا ذلك على ما ألفوه من أنفسهم من التعلقات الفارغة عن المعانى والكلمات الخالية عن تحقيق المعاقد والمبانى، فلما شرعت فى تصنيف هذا الكتاب، قدمت هذه المقدمة، لتصير كالتنبيه على أن ما ذكرناه أمر ممكن الحصول قريب المنال» (١).
[رأى علماء عصره وغيرهم فيه ورأيه فيهم:]
ونظرا لأن هذا النسق فى التفسير لم يكن مألوفا فيما كتب من تفاسير، وكان تفسير الرازى هذا أول تفسير دعمه صاحبه بالعلوم التى أتقنها من فلسفة وطب وفلك. الخ .. انتقده كثير من العلماء حتى نجد أبا حيان صاحب تفسير «البحر المحيط» الذى ولد بعد وفاة الرازى بخمسين سنة تقريبا يقول فيه بعد أن اطلع عليه: «جمع الإمام الرازى فى تفسيره أشياء كثيرة لا حاجة لها فى علم التفسير، ولذلك قال بعض العلماء: فيه كل شىء إلا التفسير.
وهذه النغمة كانت موجودة فى زمن الرازى نفسه سمعها ورد عليها بشدة بقوله: «ربما جاء الجهال والحمقى وقال: إنك أكثرت فى كتاب الله تعالى من علم التهيئة والنجوم، وذلك على خلاف المعتاد .. فيقال لهذا المسكين: إنك لو تأملت فى كتاب الله حق التأمل لعرفت فساد ما ذكرته.
وكان ذلك بلا شك ناشئا من شدة عنايته بالرد على الفلاسفة فيما قالوه- واعتقد أنه يمس القضايا الدينية، واجتهاده فى أن يبرز حكمة الله وهديه القرآنى عن طريق كشف ما أشار الله إليه فى القرآن من مظاهر النفس والكون .. مقدما بذلك أدلة أخرى على إعجاز القرآن غير الإعجاز البلاغى الذى تكلم فيه الكثيرون واقتصروا عليه ..
(١) مقدمة تفسيره ج ١ ص ٣٢٢ عن «التفسير والمفسرون» ج ١، ص ٢٩٦.