لقد كان أهم شىء فى الحياة الجديدة هو- أولا- بناء العقيدة السليمة- عقيدة التوحيد، والقضاء على كل المظاهر التى تتنافى معها، ولم يكن ذلك بالأمر السهل فى بيئة مردت على الشرك، وعبادة الأصنام، والتعلق بالخرافات، والاستهانة بالعقول، إلى حد أنها كانت تحكّم الطيور والأحجار فيما تقدم عليه من أفعال،. وكانت تعد الخروج على شىء من ذلك، خروجا على مقدسات الآباء الموروثة وتقاليدهم، وثورة على ما تواضع عليه المجتمع، تجب المبادرة بقمعها والقضاء عليها.
ومن هنا كانت العناية المركزة فى القرآن الكريم، وفى دعوة الرسول، على عقيدة التوحيد والبعث.
كان الإشراك قد تحصن فى عقول العرب، حتى أصبحوا يعدّون ما عداه أمرا غريبا يلفت النظر، ويدعو إلى العجب، والدعوة إلى التوحيد مؤامرة تستدعى الحذر
فهذا الحصن هو الذى يقف أمام دعوة الإسلام. ولا يمكن أن يلجأ الداعون للتوحيد إلى التسلسل من ورائه وتركه .. لا بد من مجابهته، وهدمه حجرا حجرا، بل لا بدّ من إزالة أنقاضه، وترابه وغباره، وكل أثر من آثاره.
... وهذا كله ليس بالأمر السهل فإن هدم الحصون الحجرية- أو الخرسانية بلغة العصر- قد يكون أسهل كثيرا من التغلب على الحصون العقلية والتقليدية.
ومن هنا يمكن أن نتصور أى شىء كان يشغل الرسول ومن آمن معه، ويأخذ منهم كل أوقاتهم وجهودهم.