وأصل هذا التقسيم أو هذا الاصطلاح- الذى يقتضى إلقاء ضوء عليه، أصله قديم منذ عهد الصحابة الذين كانوا يتحرجون أن يتكلموا فى تفسير آية إلا إذا كانوا قد سمعوا عن الرسول شيئا فيها .. حتى لما سئل أبو بكر رضى الله عنه فى معنى آية لم يكن يروى عنها شيئا امتنع وقال عبارته المشهورة «أى أرض تقلنى وأى سماء تظلنى لو قلت فى القرآن برأيى».
فاتخذ الناس من هذا الكلام دليلا على وجوب الاعتماد على التفسير المأثور، بحيث لا يتكلم أحد فى التفسير إلا برواية رويت .. وكان هذا سببا فى بدء حياة التفسير، اعتمادا على الرواية، وجمعوا فيها الغث والثمين. كما عرفنا، وكانت مزرعة، نما فيها الكثير من الاسرائيليات، والخرافات حول تفسير القرآن، وذلك لأن الأحاديث لم تغط تفسير القرآن، فلجئوا لأقوال الصحابة وغيرهم، ولروايات أخرى يفسرون بها.
بينما نظر آخرون إلى قول أبى بكر، نظرة غير هذه النظرة، وقالوا لا يعنى كلامه هذا أن نهمل عقولنا ومعارفنا فى تفسير الآيات، من حيث اللغة، والمعنى الظاهر السافر ونخرج برأى حسب ما تؤديه الكلمات العربية، والأسلوب العربى، والله يقول «إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون» فالموضوعات التى تحتاج إلى رواية، وهى التى لا يمكن للعقل أن يحكم فيها .. نرجعها للرواية .. ونقف عندها ..
لكن الآيات السافرة الظاهرة، التى تحكى قصة، أو تقول حكما، أو تحث على نظر فى الكون .. الخ. مما لا يحتاج فهمها إلى رواية؛ نتولى فهمها بعقولنا، ومعارفنا فى اللغة أو الأحكام، أو الكون .. بحيث لا نخرج عن قرآن صريح، أو حديث صحيح، هذا إذا لم يدفعنا فضولنا لمعرفة ما تركه القرآن من تفاصيل، بل قال بعضهم: إن النص إذا تعارض مع العقل، أوّلنا النص لما يوافق العقل، والله يقول «أفلا يتدبرون القرآن .. » وتفاسير هؤلاء سموها «التفاسير بالرأى»