ومن الضرورى أيضا أن نلاحظ المستوى الثقافى الذى كان عليه الصحابة وتلقوا به القرآن الكريم أو فهموه على ضوئه.
وهو عامل مهم .. لأنه على قدر وعى الانسان وثقافته، يكون فهمه لما يقرأ، أو يسمع، أو يكون حسن استقباله له،. ووضوحه عنده، كأجهزة الاستقبال. فعلى قدر سلامتها وقوّتها، يكون وضوح ما تتلقاه، أو تستقبله ..
ونحن ندرك من واقعنا أن الخطبة تلقى على المستمعين، فيأخذ كل منها على قدر ثقافته ووعيه، وأن الكتاب يقرأ، فلا يكون الجميع متساوين فى فهمه واستيعابه. بل على قدر ثقافة السامع أو القارئ يكون الفهم، ويكون الاستيعاب.
هذه حقيقة أولى لا جدال فيها ..
الحقيقة الثانية: أن القرآن عربى وفى أعلى درجات البلاغة. وهو بلغة القوم الذين نزل فيهم أولا .. وخاطبهم وتحداهم .. فمن الطبيعى أن يفهموه (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ)(١)
ولقد فهموه، وأدركوا بلاغته، وعرفوا منها مصدره (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ)، آمن به من استجاب لفطرته، وصد عنه من قامت الحوائل عنده دون الاستجابة لهذه الفطرة، ولكنه كان فهما قائما على ما أتقنوه من فنون المعرفة وكان أولها وأهمها: الناحية البلاغية اللفظية.