أما إذا فهمنا (الرأى) على أنه اخضاع الآيات للمذاهب الخاصة، والشطط فى تأويلها، وعدم التقيد بالحديث أو تأويله كذلك، فإن الطبرى ليس من هذا النوع، ولا يعد تفسيره على هذا من التفسير بالرأى، لأن الرجل التزم خطة التحفظ فى التأويل، والحفاظ على منهج السلف، والدفاع عنه، فيما يتصل بالله وصفاته، والمتشابهات عموما فى القرآن ... وكل ما تتوقف معرفته على أخبار موثوق بها عن الله سبحانه، أو عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولو قلنا بناء على هذا إن تفسيره تفسير بالمأثور لكنا محقين .. لأنه لم يتأثر بالمذاهب الكلامية التى سادت المجتمع الاسلامى فى عصره، ولكنه التزم الخطة السلفية المأثورة عن الصحابة ..
[الرأى المذموم:]
ولو تأملنا قليلا فيما ورد من كراهة الصحابة للرأى فى التفسير، وما ورد فى ذلك من ذم، لفهمنا أن الرأى المذموم فى التفسير هو الذى يخضع للأهواء ولعصبية المذاهب، ولم يقم على دراسة محايدة متأنية. أما الرأى الذى يبديه الإنسان فى التفسير مستندا إلى معانى كلام العرب، وإلى ما ورد من حديث صحيح، غير متأثر بمذهب مستحدث أو عصبية طارئة، حتى يصل إلى المفهوم الذى يستريح إليه عقله وقلبه، فذلك لا يمكن أن يذم بحال من الأحوال- كما قلنا من قبل-، وإلا ما كان هناك معنى لدعوة القرآن المسلمين لتدبر آياته والاتعاظ به، وأخذ أحكامهم منه ..
وقد تحدث عن ذلك الامام الطبرى فى مقدمة تفسيره، كما تحدث فى هذه المقدمة، عن أمور لا بد من الاحاطة بها لكل من يفسر القرآن مثل اتفاق معانى القرآن، وما اتفقت فيه ألفاظ العرب والعجم، واللغة التى نزل بها القرآن، ونزوله على سبعة أحرف، وما قيل فى النهى عن تأويل القرآن بالرأى، وفى الحض على العلم بتفسير القرآن، وآراؤه فى المفسرين الخ ..
بقيت كلمة لا بد من بيانها فى ختام هذا، وهى كلمة (تأويل) التى جعلها الطبرى فى عنوان كتابه: ((جامع البيان عن تأويل آى القرآن)) والتزمها عند ما يأخذ فى ابداء رأيه فى الآية ..