لعل البعض يفهم من قوله تعالى «وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ» أن الرسول صلى الله عليه وسلم تولى تفسير كل آية من القرآن لصحابته رضوان الله عليهم .. ولكن هذا فهم مبالغ فيه وغير دقيق، إذ أن قوله تعالى:
«لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ» يعنى تبين ما يحتاج منه إلى بيان ..
وقد أنزل الله القرآن على رسوله بلغة قومه «إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» وكان العرب فى ذروة البلاغة وهم أرباب الفصاحة، وقد نزل القرآن يخاطبهم جميعا. ويحثهم لما يدعوهم إليه، ومن الطبيعى ألا يكون غامضا عليهم فكانوا أقرب الناس إلى فهمه وإدراك معانيه وتقدير بلاغته، حتى وجدنا أعتى الناس عداوة للرسول، ينقلب- بمجرد سماعه- إلى مسلم تابع له، وأيضا أشد الناس إخلاصا ودفاعا عنه، ووجدنا آخرين يتزعمون معارضته، وإيقاع الأذى به وبدعوته، ومع ذلك تأسرهم بلاغة القرآن ومعانيه، ويتسارقون ويتسربون ليلا، للاستماع إلى الرسول صلى عليه وسلم وهو يقرؤه بصوت مسموع، إشباعا للذة الاستماع إليه، مع كراهتهم له.
ولو لم يفهموه ويحسوا بلاغته، ما سحرهم بيانه، وما جذبهم لهذه المخاطرة التى خاطروا فيها بأنفسهم وبمراكزهم وزعامتهم وسط معسكر الكافرين بالرسول، لو انكشف أمرهم .. وقلنا كانوا أقرب الناس إلى فهمه، لأنهم لم يكونوا جميعا على مستوى واحد من الفهم له وإدراك معانيه إذ من الطبيعى أن تكون أفهامهم متفاوتة، حتى لما يسمعون من كلامهم .. وذكرت لنا الروايات الصحيحة، أن بعضهم، ومنهم مقربون إلى رسول الله كان يتوقف فى فهم بعض ألفاظ وردت فيه، وإن كان يفهم المعنى الإجمالى للآية والسورة. والغرض من سياقها .. فوجدنا الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه، مع مكانته يسأله رجل عن معنى «الأب»