للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فذلك أولى عنده وأجدى من حصر التفسير فى مباحث لفظية وبلاغية ..

تبرز اعجاز القرآن البلاغى، بينما يوجد فى القرآن آيات كثيرة تتحدث عن الكون، وتبرز الإعجاز العلمى للقرآن، ولا بد من بيانها والكشف عنها، بواسطة ما نعرفه من علوم .. ولذلك استغل الرازى ما عرفه من علوم ليجلى بها أسرار القرآن، ومعجزاته العلمية فى الكون. بالاضافة إلى معجزته البلاغية مما أشار القرآن إليه أو تكلم بصراحة عن آيات الله فى كونه، ولا يجلى هذه الآيات، ويبرزها، ويصل إلى أغوارها إلا العلم. فإذا قال الله «رب العالمين» فما هى هذه العوالم التى خلقها الله وهو ربها؟ لا تستطيع البلاغة أن تبرز لنا هذا وتبينه، بل العلم هو الذى يقدم لنا هذه العوالم أجلى بيان على قدر اتساعه ..

وهو كل يوم يزداد اتساعا».

وسار الإمام فى دروسه على هذا المذهب أو هذه الطريقة التى اختطها، برغم ما لقي من استغراب ومعارضة من الذى ألفوا القديم من التفسير .. أو كما يقول: الذين ألفوا من أنفسهم التعلقات الفارغة عن المعانى، والكلمات الخالية عن تحقيق المعاقد والمبانى».

وكان مصمما ومقتنعا بهذه الطريقة لخدمة القرآن، فبدأ يفسر على أساسها سورة «الفاتحة» واتسع فى تفسيرها والاستنباط منها بما آتاه الله من علوم، تبرز قدرة الله وحكمته فى خلقه، أو فى كونه العلوى والأرضى. فعند ما يتعرض مثلا لتفسير «رب العالمين» يبين أن الوجود ليس محصورا فى عالمنا الذى ضبطت أحواله، لأن الخلاء الذى لا نهاية له خارج هذا العالم .. يمكن أن يشتمل على الآلاف من العوالم الأخرى .. بل إن الانسان لو اقتصر علمه على أن يحيط من هذا العالم فقط بعجائب المعادن، ويعرف عجائب أحوال النبات، وعجائب أقسام الحيوان، لنفد عمره فى أقل القليل من هذه المطالب، فلا ينتهى إلى غورها، مع أن ذلك كله يندرج تحت قوله تعالى «رَبِّ الْعالَمِينَ» (١)


(١) باختصار من كتاب التفسير ورجاله للشيخ محمد الفاضل بن عاشور ص ٧٣، ٧٤.

<<  <   >  >>