أشياء لم يذكرها القرآن فقال لهم: يا معشر المسلمين: تسألون أهل الكتاب، وكتابكم الذى أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم أحدث الاخبار بالله، تقرءونه لم يشب؟ وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا ما كتب الله، وغيروا بأيديهم الكتاب فقالوا:(هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا) أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم. ولا والله ما رأينا رجلا منهم قط يسألكم عن الذى أنزل عليكم. أى ليأخذه عنكم، ومفهوم أنهم لم يكونوا يسألونهم عن الصلاة أو تحريم الخمر أو كيفية الحج مثلا، بل كانوا يسألونهم عن أشياء فى القصص وأمثالها، مما سكت القرآن عنه لعدم الحاجة فى العبرة إليه. جريا وراء الفضول العلمى، وغريزة حب الاستطلاع.
فلا يعقل إذن أمام هذا الحديث الصحيح أن ينهى ابن عباس المسلمين عن الأخذ من أهل الكتاب، وتصديق ما فى كتبهم بهذه الصورة، ثم يسأل هو أهل الكتاب عن أشياء يرجعون فى الإجابة عنها إلى كتبهم ومعلوماتهم، التى عرفوها من هذه الكتب، بل وخيالاتهم.
ولا يغير من الموضوع شيئا أن الذين كان يسألهم ابن عباس قد أسلموا، إن قلنا إنه كان ينهى المسلمين عن الأخذ من أهل الكتاب الذين لم يسلموا، لأن المصدر فى الحالتين واحد وهو كتبهم .. ولا يعقل أن ينهاهم عن شىء وهو يفعله. اللهم إلا إذا كانت ثقته الكاملة فيهم جعلته يستبعد أن يخبروه بشيء غير واثقين به.
وإزاء هذا لا نملك إلا أن نهوى على رأس كل الروايات التى ذكرت فى التفسير إلى ابن عباس فى هذه الناحية فنطيح بها، ونبرئ ابن عباس من مسئوليتها، ونتحمل وزر بقائها فى كتب التفسير المتداولة حتى الآن، تحشو أذهان المتعلمين والقراء بمعلومات واهية، لا سند لها، وتخرج لنا جيلا مخرفا من طلاب العلم، فإن العملة الزائفة تطرد العملة الصحيحة من السوق وتقضى عليها كما يقال.
ولا بد لنا مع ذلك من وقفة قصيرة مع صرخة ابن عباس هذه فى المسلمين، ينهاهم عن مساءلة أهل الكتاب والتعلم عليهم بهذه الشدة.