القرآن تبد لكم. ثم «قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين».
ردع قوى عن الاسترسال فى توجيه أسئلة للرسول لا داعى لها فوق أنها تشغله، وما كان هذا الردع القوى إلا لأن «الناس» كانوا كما جاء فى حديث أنس رضى الله عنه «سألوا نبى الله صلّى الله عليه وسلّم حتى أضنوه بالمسألة. وفى حديث آخر يوضح المعنى «فلما أكثروا عليه المسألة غضب». وكان من أثر غضبه عليه الصلاة والسلام أن قال لهم: ذرونى ما تركتكم.
وأجدنى فى حاجة لأن أقف قليلا لأوضح: لم غضب الرسول؟ حتى لا أترك فى ذهن القارئ علامة استفهام كبيرة لا جواب عنها ..
سبب الغضب يمكن أن يبينه هذا الحديث «خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال- إن الله قد فرض عليكم الحج. فقال رجل- أفى كل عام؟ فسكت عنه. حتى أعاده ثلاثا. فقال: لو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت، ما قمتم بها أو لما استطعتم .. ذرونى ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شىء فاجتنبوه.»(١)
فمثل هذا السؤال من الرجل «أفى كل عام؟» لا محل له .. إذ لو كان فى كل عام لبينه الرسول دون حاجة إلى سؤال أحد. ثم كان على الرجل أن يكون فطنا حين لم يرد عليه الرسول، فيسكت هو الآخر، ولا يتمادى فى السؤال، كأنه هو الحريص وحده على البيان .. ومثل هذا الموقف كثيرا ما يدخل صاحبه فى باب التنطع الذى قال عنه الرسول «هلك المتنطعون»، والاسلام ذوق، وجمال، وإحساس، وجو، لا بد أن يشيع فيه هذا كله.
والذين ما رسوا مهنة الدعوة أو التدريس، هم أكثر الناس إدراكا وفهما لمثل هذا الموقف، فكثيرا ما يجابه المدرس بأسئلة، تنطلق من بعض الطلاب
(١) سنن النسائي ورواه مسلم وغيره بألفاظ مختلفة راجع تفسير الآية فى ابن كثير وفى المنار وغيرهما، وكيف كان غضب الرسول من كثرة الأسئلة فى موضوعات متعددة لا أهمية لها أو تؤدى للتشديد عليهم.