فالعرب الذين نزل عليهم لم تكن الكتابة والقراءة منتشرة عندهم انتشارها عند الأمم المتحضرة حولهم، وبالتالى لم يتمكنوا من دراسة العلوم التى كانت معروفة عند غيرهم من الفرس أو الروم فى ذلك الوقت، فكان كل ما يتناقلونه بينهم من الطب والفلك وغيرهما، لا يمكن تسميته علوما إلا تجاوزا، لأنه كان مكتسبا عن طريق تجاربهم وملاحظاتهم الخاصة. المنبعثة من البيئة وحاجاتها وظروفها. مما يعينهم على حياتهم البدوية، من الاستدلال بالنجوم على معرفة الجهات، وعلى تعيين الوقت، كما قال الله «وعلامات وبالنجم هم يهتدون» وما كانوا يداوون به مرضاهم بطريق التجربة، والتناقل فيما بينهم، مما يمكن أن تجد له شبيها الآن فى البيئات البعيدة، المنعزلة عن المدينة، المحرومة مما وصل إليه العلم من تقدم ..
على أن هذه المعرفة المحدودة لم تكن عامة شائعة لدى العرب جميعا، بل كانت قاصرة على بعضهم أو خاصتهم، ممن كانت الحاجة تدعوهم إلى معرفتها، ولعل هذا الوصف (الأمية) قد غلب على العرب، حتى لم ير الرسول بدا من الاحتجاج به عند ربه، وهو يخاطب جبريل كما فى الحديث السابق، كما صرح به أيضا، وهو بصدد معرفة أيام الشهر .. ولهذا جرى على لسان اليهود حين قالوا:(لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) يقصدون فى كلامهم هذا .. العرب، وإن كان هذا مبدأ عاما عندهم فى معاملة غير اليهود، لا يرون بأسا فى نهب أموالهم .. لكن الآية تحكى حال اليهود الذين يعاملون العرب، ويطلقون عليهم هذا الوصف (الأميين) ..
وكذلك كان لهم بالنسبة لتاريخ الأمم قبلهم مما قصه القرآن، فلم يكن لهم به معرفة سابقة، وذلك هو ما تخبر به هذه الآية الكريمة بعد أن سبقها ذكر قصة نوح (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ)(١)، وفى قصة مريم وزكريا: (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ