للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن في خزانة فكري اليوم لنماذج كثيرة من هذه الأخيلة والصور التي انطبعت فيها مما كانت ترسمه الآيات في ذهني أيام كنت منكبّا على دراسة القرآن وتعلمه، وأنا طفل، والكثير منها غريب ومضحك! ..

ولقد كنت أحسب فيما مضى أن مردّ ذلك إلى حالة خاصة بي هي الجهل أو نحوه، ولكن لدى دراسة معاني القرآن وما تيسر من آدابه، علمت أن ذلك هو شأن القرآن وعمله في الأخيلة كلها، ورأيت الكاتب والإنسان الكبير: سيد قطب رحمه الله يذكر هذا المعنى ويصف الصورة التي كانت ترسمها هذه الآية في خياله إذ هو طفل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ، فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ، وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ، خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١).

وأهمية الطفولة بالذات، لكشف هذا الجانب من أسلوب القرآن ومنهجه هي أن الطفل بمقدار ما يكون استعداده لتلقي المعاني المجردة ضعيفا، يكون استعداده لتصور الرسوم والتقاط الأشكال قويا؛ فللطفل خيال مشبوب، ومرآة صافية سرعان ما يلتقط بهما صور الأشياء. ومن هنا كانت لهذه الظاهرة قيمة كبرى في كشف معنى «التصوير القرآني» والبرهنة عليه.

فلا يهمنا إذا، أن تثبت هذه الصور في ذهن الطفل مشوّهة أو ناقصة أو غير ذات دلالة، لأن ذلك هو شأن تخيّل الصورة دون إدراك المعنى، ولكن المهم أنه يجد في هذا الكتاب ما يخاطب خياله، وإن لم يجد فيه إلا القليل مما يخاطب عقله، على حين أن ذلك لا يتفق له بالنسبة للكتب الأخرى اللهمّ إلا تلك التي صيغت خصيصا من أجله.

ثم إن التصوير القرآني يتدرج في مظاهر متعددة بوسائل مختلفة، وكثيرا ما تجد هذه المظاهر كلها مجتمعة في نصّ واحد، وقد تجد بعضها متفرقا في نصوص متعددة.


(١) الحج: ١١، وانظر مقدمة كتاب التصوير الفني في القرآن لسيد قطب، وهو مرجع ذو أهمية بالغة في هذا الباب.

<<  <   >  >>