للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الماء إذا كان قد فار من منبع النار، وهو التنور فلأن يفور ويفيض من عامة الأماكن الأخرى أحرى وأجدر.

فعند ما تفجرت الأرض بالمياه أوحى الله إلى نوح أن يحمل في السفينة من كل صنف من أصناف الحيوانات زوجين اثنين، أي ذكرا وأنثى، والعرب تسمي كل واحد من اثنين لا يستغنيان عن بعض زوجا يقولون: زوجا نعل وزوجا حمام.

كما أوحى إليه أن يحمل فيها أفراد أهله، إلا من سبق في علم الله استمراره على الضلال منهم، وهو ابنه وامرأته، وأن يحمل فيها عامّة المؤمنين به، ويلتفت البيان القرآني هنا، عن سياق القصة ليخبر قائلا: وما آمن معه إلا قليل، وفي هذا الالتفات دلالة مؤثرة دقيقة يشعر بها الحسّ وتتأثر لها النفس ويحزن لها القلب! ...

وأقبل نوح إلى أهله والمؤمنين من قومه يقول لهم: اركبوا فيها متّكلين على الله الذي آمنتم به، ولا يهمنّكم كيفية سوقها الذي ليس فيكم من يتقنه ولا سبيل اتجاهها ورسّوها الذي لا تعرفونه، فإن السائق والموجّه هو الله، بأمره تجري وبأمره سترسو.

فاركبوا فيها، جملة مستقلة؛ وباسم الله مجريها، جملة مستقلة أخرى من مبتدأ متأخر وخبر مقدم.

ولا شأن للبيان القرآني بوصف كيفية الركوب أو كيفية تلافي الحيوانات المختلفة، فمجرى القصة القرآنية كما يريده القرآن لا غرض له بشيء من ذلك. وعلى كلّ فقد تمّ ما أراده الله. وركب المؤمنون في السفينة وتلاقى فيها من كل صنف من الحيوانات المختلفة زوجان اثنان، وجرى الفلك يمخر عباب بحر لا عهد للبشرية به.

ويصف البيان الإلهي هذا المشهد بقوله: وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وتأمل كيف صوّر تلك الأمواج التي هي من العلو والضخامة كالجبال، في صورة طريق تجري فيه السفينة. وفي هذا بيان لمدى طغيان الماء

<<  <   >  >>