للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يزال العلم يكتشفه وينتبه إليه، كلّ ذلك عبّر عنه البيان الإلهي بالكلمة الجامعة: قرارا.

ومن جعل على وجه الأرض أنهارا تتخللها كتخلّل الشرابين في الجسد إذ تمدّه بالقوة والحياة؟

ومن أقام عليها جبالا ثوابت ثقالا تمنعها أن تميد بأهلها، وتتكون في باطنها كنوز المعادن وتحتفظ في جوفها بالينابيع الثرة من المياه، وعبّر عن الجبال بكل ما فيها من الصفات، بالرواسي وهي جمع راسية، أي مستقرة وثابتة، وأنت لا تطلق هذه الكلمة على كل ما يستقر إلا إذا كان ثقيلا جسيما، فلا تقول أرسيت الكأس مثلا، وإنما تقول أرسيت الصخرة أو البناء أو نحو ذلك.

ومن جعل بين البحرين حاجزا؟ وتثنية البحرين من التغليب، أي البحار والأنهار، ومعلوم أن الحكمة الإلهية اقتضت أن تكون البحار أخفض من مستوى الأنهار حتى لا تنصبّ فيها مياه البحار فيفسد طعمها، وحينما تنصبّ مياه الأنهار في البحر فإنها تتخذ لنفسها في عرضه طريقا مستقلا يمتد أشواطا كثيرة دون أن يمتزج كلّ من الماءين بالآخر. والذي اقتضى ذلك اختلاف طبيعة الماءين التي قدّرت بخلق الله وحكمته حتى تؤدي كلّ من البحار والأنهار خدمات نوعية مستقلة لهذا الإنسان.

وتقف الآية هنا أيضا عن الإجابة على هذا السؤال انتظارا لإجابة المخاطبين، وإتاحة للفكر المتأمل أن ينصت خاشعا إلى الجواب ينبعث من فم الكون كله: إنه الله وحده.

ويأتي السؤال مرة أخرى مرتبا على هذا الجواب المعروف: أإله مع الله؟!. أبعد هذا كله يوجد أي إله آخر إلى جانب الله جلّ جلاله؟

ويلتفت الخطاب عنهم مرة أخرى ليحكي حالهم العجيبة للآخرين: بل أكثرهم لا يعلمون؛ ولما كانت المسائل المستفهم عنها يتوقف الفهم والتقدير التام لها على العلم، قال في حكاية حالهم المسبّبة لغرورهم وجحودهم: بل أكثرهم لا يعلمون. وفيه ما لا يخفى من حمل الناس على التأمل في دقائق الكون

<<  <   >  >>