ويحدثنا مرقس أن المسيح لما كان على الصليب صرخ يطلب الماء "فركض واحد، وملأ إسفنجة خلاً، وجعلها على قصبة، وسقاه قائلاً: اتركوا، لنر هل يأتي إيليا لينزله"(مرقس ١٥/ ٣٦)، فقائل العبارة السابقة هو ذلك الذي سقى المسيح، ويوجه خطابه للآخرين قائلاً:" اتركوا، لنر هل يأتي إيليا لينزله".
وهذا وصف ناقضه فيه متى حيث كتب:" وللوقت ركض واحد منهم، وأخذ إسفنجة، وملأها خلاً، وجعلها على قصبة وسقاه. وأما الباقون فقالوا: اترك، لنرى هل يأتي إيليا يخلّصه"(متى ٢٧/ ٤٨ - ٤٩)، فجعل القائل لتلك العبارة الآخرون، فقد طلبوا من الذي يسقي المسيح أن يتركه "اترك"، فمن القائل؟ ومن المخاطَب؟.
[ما آخر ما قاله المصلوب قبل موته؟]
أما اللحظات الأخيرة في حياة المسيح فتذكرها الأناجيل، وتختلف في وصف المسيح حينذاك، فيصور متى ومرقس حاله حال اليائس القانط ينادي ويصرخ:" إلهي إلهي لماذا تركتني " ثم يُسلم الروح. (متى ٢٧/ ٤٦ - ٥٠، ومرقس ١٥/ ٣٤ - ٣٧).
وأما لوقا فيرى أن هذه النهاية لا تليق بالمسيح، فيصوره بحال القوي الراضي بقضاء الله حيث قال:" يا أبتاه في يديك أستودع روحي، ولما قال هذا أسلم الروح "(لوقا ٢٣/ ٤٦).
ويتجنب يوحنا وصف مشاعر المسيح دفعاً للحرج، لكنه يسجل مقالة أخرى ينسبها إلى المسيح ويجعلها آخر كلماته على الصليب، فيقول:"فلما أخذ يسوع الخل قال: قد أكمل. ونكس رأسه، وأسلم الروح"(يوحنا ١٩/ ٣٠)، فأي الكلمات كانت آخر كلام المسيح، وأي الحالين كان حاله على الصليب؟