ثم شرع زكريا بالحديث عن ابنه المعمدان مبيناً دوره في هداية قومه إلى طريق الخلاص، فقال:"وأنت أيها الصبي، نبيَّ العلي تدعى، لأنك تتقدم أمام وجه الرب لتعدّ طرقه، لتعطي شعبه معرفة الخلاص بمغفرة خطاياهم، بأحشاء رحمة إلهنا التي بها افتقدنا المشرق من العلاء، ليضيء على الجالسين في الظلمة وظلال الموت، لكي يهدي أقدامنا في طريق السلام "(لوقا ١/ ٧٦ - ٧٩)، فليس المقصود بالفداء والخلاص ما يذكره النصارى عن الخلاص من الدينونة بدم المسيح، بل الفداء والتطهير والخلاص من مكر الأعداء وتسلطهم، ويكون بالتوبة والعمل الصالح.
وعلى هذا النحو سمى التلميذان المسيحَ فادياً، فقالا:" كيف أسلمه رؤساء الكهنة وحكامنا لقضاء الموت وصلبوه. ونحن كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل "(لوقا ٢٤/ ٢٠ - ٢١)، أي كنا نرجو أن يكون خلاص بني إسرائيل من أعدائهم على يديه، لكنهم صلبوه وقتلوه.
ومن هذا الباب قول لوقا:«لأن ابن الإنسان قد جاء، لكي يطلب، ويخلص ما قد هلك»(لوقا ١٩/ ١٠)، وهو قول يتعلق به النصارى القائلون بأن المسيح جاء ليخلصنا بدمه المسفوح على خشبات الصليب، لكن النص يتحدث عن خلاص وقع لزكا رئيس العشارين في أريحا حين تاب وتعهد بدفع نصف أمواله للمساكين ورد المظالم إلى أهلها «فقال له يسوع: اليوم حصل خلاص لهذا البيت؛ إذ هو أيضًا ابن إبراهيم، لأن ابن الإنسان قد جاء، لكي يطلب، ويخلص ما قد هلك»(لوقا ١٩/ ٩ - ١٠)، فالمسيح خلَّص زكا حين أرشده إلى التوبة والإيمان والعمل الصالح، وهو خلاص جاء به أنبياء الله أجمعين، ولا يشير النص ـ من قريب أو بعيد ـ إلى الخلاص الذي يتحدث عنه النصارى بدم المسيح المذبوح.
[عقيدة الفداء والوثنيات السابقة]
سؤال يطرح نفسه: من أين أتى بولس بهذه العقيدة؟ هل هي من إبداعاته الذاتية أم أنه استقاها من مصادر قديمة؟ وإن كان كذلك فما هي هذه المصادر؟ وما مقدار استفادة بولس منها؟