فهل القارئ الكريم ممن يلتمس العذر لكتاب الأناجيل فيما عثروا به في قصة القيامة؟ أم يعتبرها دليلاً آخر على كذب الشهود وسقوط شهاداتهم المتخالفة عن الشهادة في مثل هذه القضية العظيمة؟
ثالثاً: تفرد أحد الإنجيليين في الرواية
وينفرد أحد الإنجيليين بذكر حوادث قد تكون مهمة، ومع ذلك أَغفلها الآخرون، وقد يتبادر للذهن لأول وهلة أن ذلك يرجع لنظرية تكامل الروايات التي لا تعتبر زيادات البعض في روايتهم ضرباً من التناقض والتعارض.
وهذا ليس بصحيح، إذ معرفتنا البسيطة بتدوين الإنجيل وتاريخه تُنبئنا بأن الإنجيليين اعتمد اللاحق فيهم على السابق، فإغفال اللاحق لبعض ما ذكره سلفه، إنما يرجع لتشككه في جدوى الرواية، أو صحتها، أو تناسقها مع المعتقد، وهو ما يقال أيضاً في الإضافة التي قرر المتأخر زيادتها عن السابق.
ولعل مما يوضح الصورة ويجليها نقل مقدمة لوقا الذي يقول:" رأيت أنا أيضاً إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق .. لتعرف صحة الكلام الذي عُلِّمتَ به "(لوقا ١/ ٣ - ٤)، فهو ينقل عن السابقين له بتدقيق وإمعان في رواياتهم، وما يدعه من مروياتهم إنما تركه لعدم وثوقه بهذه الروايات.
وقد انفرد بعض الإنجيليين بذكر أحداث مهمة تثير أسئلة استفهام كبيرة، تبحث عن إجابة، ومن هذه الأمور التي انفرد بها أحد الإنجيليين:
- انفرد لوقا فذكر في وصف ليلة القبض على المسيح أموراً لم يذكرها غيره، ومنها: أنه بالغ في إظهار جزع المسيح، حتى إن الله أيده بملاك يقويه، وكأنه أوشك على الانهيار. يقول لوقا:"وظهر له من السماء ملاك يقويه، وإذ كان في جهاد، كان يصلي بأشد لجاجة، وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض "(لوقا ٢٢/ ٤٣ - ٤٤).