ويبقى السؤال موجهاً للمسلمين المنكرين لصلب المسيح: من أين وردت على النصارى مقالة صلب المسيح؛ وهل خفي عليهم حقيقة المصلوب؟ أم خفي عليهم ذلك وقت الصلب، ثم كُشف لهم بعد ذلك لكنهم استمرؤوا الباطل؟
وفي الإجابة عن هذا التساؤل نقول: إن الأناجيل الأربعة مخطوطات قديمة، كتبها أشخاص في أوقات مختلفة، حسب ما تناهى إلى مسامعهم من الروايات الشفهية المتناقلة، وهم لم يدَّعوا لأنفسهم الإلهام ولا ادعوا لكتبهم العصمة والقدسية، فكتب كلُُّ حسب ما سمع، مناقضاً الآخرين، أو موافقاً لهم.
ونجاة المسيح ورفعه أمر خفِيَ على الكثيرين من معاصري المسيح، فظنوا أن المصلوب هو المسيح، إذ لم يشاهد معجزة رفع المسيح إلا يهوذا الخائن، عندما أخذوه في لحظة التسليم، وقد شبه عليهم، وهم في شك منه كما تبين لنا قبلُ.
ويرى البعض أن فكرة الفداء بصلب المسيح هي بعض مبتدعات بولس، الذي وجد في اختفاء المسيح وانتشار الأقاويل والإشاعات عن صلبه فرصة لصياغة عقيدة الفداء والخلاص، التي أضحت القلب النابض للمسيحية الجديدة التي أنشأها، والتي يؤكد عليها بولس في رسائله، ومنها قوله:"لأني لم أعزم أن أعرف شيئاً بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً"(كورنثوس (١) ٢/ ٢).
وقد امتلأت رسائله بالتأكيد على صلب المسيح، مما حدا بأرنست دي بوش الألماني للقول في كتابه:" الإسلام: أي المسيحية الحقة ": "إن جميع ما يختص بمسائل الصلب والفداء هو من مبتكرات ومخترعات بولس ومَن شابهه، من الذين لم يروا المسيح، وليست من أصول النصرانية الحقة". (١)
(١) انظر: الفارق بين المخلوق والخالق، عبد الرحمن باجي البغدادي، ص (٤٦٦)، والنصرانية، مصطفى شاهين ص (٨٢)، المسيحية الحقة التي جاء بها المسيح، علاء أبو بكر، ص (٣١٨ - ٣١٩).