للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنه يهوذا، حيث جعلتْه خستهُ وخيانتهُ كالدودة الحقيرة، وأصبح عاراً على البشر، كلَّ البشر، المسلمين واليهود والنصارى، بل وحتى البوذيين وغيرهم، لأنه خائن، والخيانة خسة وعار عند كل أحد، يحتقره الشعب، ولا يستجيب الله دعاءه.

والعجب لمن يصر على أن النبوءة عن المسيح، إذ كيف يوصف المسيح بالدودة والعار، وهو مجد وفخر للبشر؛ بل العار هو يهوذا.

ونلحظ أن النص يصف المصلوب بالدودة لمكانته عند الله، ويتضح هذا لمن تأمل المقابلة التي يجريها النص بين الآباء المقبولين عند الله، الذين يدعون الله فيستجيب لهم، وفي مقابل هؤلاء يقول المصلوب: "أما أنا فدودة لا إنسان ... "، فهو دودة محتقرة عند الله الذي لا يستجيب دعاءه، ولا يقبله كما قبِل آباءه من قبل. يقول أنطونيوس فكري: «نرى المرنم يقول في ثقة أن الآباء حين إتكلوا على الله خلصهم، أما هو فدودة حقيرة، وحالته ميئوس منها، وأن الله قد تركه. وهنا فالمرنم يتكلم بلسان المسيح الذي صار مهانًا ومحتقر الشعب» (١).

كما لا يفوتنا التنبيه على أن النص وصف المصلوب بالعار، ليس فقط عند جلاديه وأعدائه، بل عند البشر جميعاً، في كل أجيالهم، وجميع مِللهم، ولا يمكن أن يكون المسيح كذلك، بل تفخر البشرية أن فيها مثل هذا الرجل العظيم الذي اصطفاه الله برسالته ووحيه.

كما نلحظ أن كلمة "عار" تلحق بالشخص نفسه، لا الصلب الواقع عليه، فهو العار، وهو الدودة، وحاشا للمسيح العظيم أن يكون دودة أو عاراً، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

لقد مجد الله المسيح فلم يكن عاراً، بل كان فخراً وعزاً، وإن تاهت عنه عيون البعض، فرأوا مجده عاراً، ونجاته خزياً، لقد غفلوا عن النبوءة القائلة: "استجب لي يا إله برّي، في الضيق رحبت لي، تراءف عليّ واسمع صلاتي، يا بني البشر، حتى متى يكون مجدي عاراً؟ حتى متى تحبون الباطل، وتبتغون الكذب؟ سلاه، فاعلموا أن الرب قد ميّز تقيّه، الرب يسمع عندما أدعوه" (المزمور ٤/ ١ - ٣)، فخلاصه عليه


(١) تفسير سفر المزامير، كنيسة السيدة العذراء بالفجالة، ص (٣٠٩).

<<  <   >  >>