يكذب على بني إسرائيل، ولا على غيرهم، فإذا أباح الحديث عن بني إسرائيل فليس أن يقبلوا الحديث الكذب على بني إسرائيل، وإنما أباح قبول ذلك عمّن حدث به ممن يجهل صدقه وكذبه، ولم يبحه أيضًا عمّن يُعرف كذبه، لأنه يُروى عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"من حدث بحديث وهو يراه كذبًا، فهو أحد الكاذبين"(١).
قال الشافعي: من حدث عن كذاب لم يبرأ من الكذب، لأنه يرى الكذاب في حديثه كاذبًا، ولأنه لا يستدلُّ على أكثرِ صدقِ الحديث وكذبه إلا بصدق المخبِر وكذبه، إلا في الخاص القليل من الحديث، وذلك أن يستدل على الصدق والكذب فيه بأن يحدث المحدث ما لا يجوز أن يكون مثله، أو ما يخالفه ما هو أثبت وأكثر دلالاتٍ بالصدق منه، وإذ فرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الحديث عنه والحديث عن بني إسرائيل، فقال:"حدثوا عن بني إسرائيل، وحدثوا عني ولا تكذبوا علي"، والعلم إن شاء الله يحيط أن الكذب الذي نهاهم عنه هو الكذب الخفيّ، وذلك الحديث عمن لا يعرف صدقه، لأن الكذب إذا كان منهيًا عنه على كل حال، فلا كذب أعظم من كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
٤٦٦ - أخبرنا أبو سعيد ابن أبي عمرو، حدثنا أبو العباس الأصم،
(١) هكذا ذكر الإمام الشافعي هذا الحديث بهذه الصيغة: "يُروى عنه" إما لشيء عنده في صحته، كما يُلمح من صنيع الإمام مسلم وعبارته ١: ٩، وإما أنه ذكر الحديث الصحيح بصيغة التمريض، وهذا سائغ، كما أشار إليه ابن الصلاح في المسألة السادسة من مسائل الحديث الصحيح، وأن: رُوي، تستعمل في الضعيف أيضًا، أي: تستعمل في الصحيح كما تستعمل في الضعيف أيضًا.